كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن التعدي إنما هو لجميع الحدود وإبطال دعواه]

صفحة 72 - الجزء 3

  وأما قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، فإنه يدل على أن من لبس إيمانه بظلم فليس بآمن من العذاب، ولا مهتد إلى طريق الصواب، ولا إلى طريق الجنة وحسن المآب.

  وأما قوله [أي الفقيه]: «وقال في الظلم الذي ليس شركاً، وأخبر أنه يغفره: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}⁣[الرعد: ٦]» فإنه⁣(⁣١) يقتضي الغفران للناس، والكفار من الناس، وذلك خلاف الإجماع، فلا تعلق له به.

  وأما حمله على الفاسق دون صاحب الصغيرة والتائب، فيحتاج إلى دليل⁣(⁣٢).

[دعوى الفقيه أن التعدي إنما هو لجميع الحدود وإبطال دعواه]

  وأما قوله: «وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ}⁣[النساء: ١٤]، فإنما هو أن يتعدى جميع حدوده؛ لأنه بلفظ الجمع، فأراد به من عصاه في جميع ما أمر به، وتعدى حدوده كلها، فإن له نار جهنم خالداً فيها، ولم يقل: من يعص الله في بعض الأشياء، أو عزم على أن يعصيه؛ فإنه يبطل إيمانه، وصومه وصلاته ويخلده في نار جهنم».

  فالجواب: أن حمله الآية على من يتعدى جميع حدوده تعالى حمل للآية على خلاف معناها، لوجوه أحدها: أن من الكفار من لم يتعد جميع حدود الله تعالى،


(١) بداية كلام الإمام #.

(٢) قال ¦ في التعليق: على أن الظلم في قوله تعالى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} يعم الشرك والكفر بغيره والفسق كما قال تعالى: {يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}⁣[النساء: ١٠]، ويعم الصغائر مثل خطايا الأنبياء، قال الله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} ... إلخ [الأعراف: ٢٣]. وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ٣٥}⁣[البقرة]. وقال الله تعالى عن يونس #: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}⁣[الأنبياء]، فخرج من وعيد الظالم التائب للأدلة. وكذا أهل الصغائر لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} ... إلخ [النساء: ٣١].

ولم يقم دليل على إخراج الفاسق الظالم، بل قال تعالى فيه: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ١٠}⁣[النساء]. وقال تعالى في القاتل: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ... إلخ}⁣[النساء: ٩٣]. وقال في المتولي من الزحف: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ}⁣[الأنفال: ١٦]. فكيف يقال مع مثل هذا بخروج الفاسق؟ ومن أين دخل الكافر بغير الشرك إلا بمثل ما دخل به الفاسق؟