[بحث هام حول العموم والخصوص]
[بحث هام حول العموم والخصوص]
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «على أن أصحاب الخصوص يدعون ضد ما ذهبتم إليه، ويقولون: بل هذه الألفاظ وضعت بإطلاقها للخصوص، وإنما تحمل على العموم بدلالة وقرينة، وكل ما يدعيه أصحاب العموم يدعي مثله وما هو أقوى منه أصحاب الخصوص؛ لأنهم يقولون: يجب حمل ذلك على أقل ما يقع عليه الاسم. ونحن نقول(١): إن هذه الألفاظ تارة تستعمل في العموم بذلك، وتارة تستعمل في الخصوص كاستعماله في العموم، وليس حمله على أحدهما أولى من حمله على الآخر، إلا بقرينة ودليل، فصار ذلك كالألفاظ المشتركة، كقولنا: لون؛ فإن اللون اسم يطلق على السواد، والبياض، والحمرة، والصفرة، والخضرة؛ فإذا قال الرجل: رأيت لوناً، لم يكن حمله على أحدها بأولى من حمله على الآخر، إلا بعد أن تقترن به قرينة ودلالة تدل على أنه أراد به جنساً بعينه.
  وكذلك لفظ العموم يستعمل تارة في العموم، وتارة في الخصوص، فلم يكن حمله على أحدهما بأولى من حمله على الآخر، إلا بدليل وقرينة، قال الله ø: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ٤٤ ... فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٤٥ ... فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ٤٧}[المائدة]، وكل ذلك أراد به بعض من لم يحكم بما أنزل الله، فإن الحاكم العادل لو سها أو غفل في حادثة فحكم بغير ما أنزل الله، لم يكن كافراً، ولا ظالماً، ولا فاسقاً، بل الفروع بابها رحيب، فقد ورد فيها: كل مجتهد مصيب، فثبت أن الآية التي احتج بها وما في معناها لا تدل على أن من وجدت منه هذه الصفة فهو مستحق للعقاب والخلود، إلا بعد أن يدل على ذلك بنص من الكتاب والسنة، ولا يجد إلى ذلك سبيلاً، وقد استغنينا بهذا عن ذكر قوله: إن الفاسق عاص، وإن الخلود هو الدوام».
(١) لا زال الكلام لفقيه الخارقة.