[ذكر وجوب شكر المنعم]
  مجدد، وعلى ذلك الشكر ثواب مجدد، ويتسلسل إلى غير نهاية، ولم يزل العبد والرب كل واحد منهما أبداً مقيداً بحق الآخر، وهذا محال».
  فالجواب: أن شكر المنعم واجب، ولكنه سبحانه جعل شكره شاقاً علينا بأن شَهَّى إلينا القبيح، ونفرنا عن الواجب، بمعنى خلق الشهوة والنفار، ووعد تعالى على فعل الواجب بالثواب من حيث إن فعله مشقة، وكان يمكنه تعالى أن يجعله شهياً ملتذاً، ووعد سبحانه على ترك القبيح بالثواب، من حيث إنَّ في فعل القبيح لذة، وفي فراقه مشقة ونفرة، وجعل على تركه الثواب؛ لأنه كان يمكنه أن يجعله سهلاً علينا، ولا داعي لنا إلى فعله أعني القبيح، ولكن فعل ذلك سبحانه على هذا الوجه لتكمل المنافع بما يستحق عليه من الثواب.
  فإن المنافع أنواعها ثلاثة: التفضل، والعوض، والثواب؛ فأراد سبحانه وتعالى إكمالها للمكلف، وكان ذلك يكمل بالعمل الصالح، والألم المصلح، فليعجب الفقيه من فعل واجب على العبد، فإذا أوقعه على وجه يشق عليه فعله؛ استحق عليه الثواب من الله سبحانه وتعالى، وبهذا الوجه فارق ما يفعله العباد من شكر بعضهم لبعض، كالمنعم عليه مع المنعم، وكالعبد مع سيده؛ لأن السيد لا يقدر أن يجعل ما يجب على عبده من شكره شهياً ولا منفراً؛ لأن الشهوة والنفار مما يختص الله سبحانه بالقدرة عليهما.
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «ولو جاز ذلك للزم على الثواب شكر مجدد فيتسلسل».
  فالجواب: أن الثواب إنما يوصل إلى المكلف في الدار الآخرة، وليست فيها مشقة، بل يشكرون الله تعالى على سبيل التلذذ بشكره سبحانه بخلاف الشكر في الدنيا فإنما هو فعل الطاعات وترك المقبحات، وكل ذلك شاق، بخلاف الشكر في الآخرة فلا مشقة عليه؛ فلا يلزم عليه ما ذكره، وقد قال الله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ