كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[وجه الإستدلال بقوله تعالى: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد 29}]

صفحة 108 - الجزء 3

  فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ٧٤}⁣[الزمر]، وغير ذلك مما فيه حمده تعالى وشكره على نعمته؛ لأن ذلك من واجبات العقل، ولكن لا مشقة عليهم فيما يفعلونه من ذلك، بل يتلذذون به ويلهمونه كما يلهمون النَّفَس، كما ورد في الخبر، فليس في ذلك تقييد لخالق ولا لمخلوق كما زعمه الفقيه.

[وجه الإستدلال بقوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}]

  ثم قال [أي فقيه الخارقة]: «وأما استدلاله [أي محيي الدين] بقوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}⁣[ق]، وأنها وردت في المسلم الموحد - فكلام غير صحيح لأن قبلها: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ٢٣ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ٢٤ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ٢٥ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ٢٦ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ٢٧ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٢٨ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}⁣[ق]، فهذا يدل على أنها في الكافر الجاحد».

  والجواب: أما قوله: «إن صاحب الرسالة قال: إنها في المسلم» فكلام باطل، ولعل الفقيه ظن أنه لما استدل بالآية عند مكالمته في أمر الفساق أنه يقول: إنها وردت فيهم، وهذا أجمل ما يحمل كلامه عليه، وذلك ظن لا أصل له، بل أورد الآية على أن القول منه سبحانه لا يبدل، سواء كان بوعد أو وعيد، لكافر أو فاسق.

  لكن موضع الاستدلال هاهنا بما يتعلق بالوعيد، وهو خبر منه سبحانه على سبيل العموم ولو كان له سبب، وهو ما جرى في الآيات؛ فإنه يجب حمله على عمومه؛ إذ السبب لا يوجب تخصيص هذا العموم؛ لأنه لا ينافي حمله على غير سببه مع حمله على سببه، والحجة هو الخطاب دون السبب، فإذا كان الخطاب عاماً وجب أن يستدل به من حيث هو عام، لكن قد صار الفقيه يتجاسر على حكاية ما لم يقع له ذكر، أو جاهل بهذه الأمور فلِمَ تصدى لما لا قبل له به.