[ذكر مسألة التحابط بين الصغائر والكبائر]
[ذكر مسألة التحابط بين الصغائر والكبائر]
  ثم قال: «قال القدري: وأما المسألة الرابعة، وهي مسألة التحابط بين الصغائر والكبائر؛ فاعلم أن الجهل بذلك أضل كثيراً من الناس، فزعم قوم في الكبيرة أنها العمد، وفي الصغيرة أنها ما وقعت خطأ من غير عمد، وهذا لا يستقيم، فإن الإساءة ممن أعتق عبده وموّله وأحسن إليه فكسر له رأس قلم عمداً، لا تضيع ما فعله ولا تحبط، بخلاف ما لو قتله وقتل ولده؛ فإن القتل يكون كبيرة.
  ولأن الله تعالى قد عاتب كثيراً من الأنبياء $ على ما صدر منهم من المعاصي، ومحال أن يعاتبهم على ما فعلوه سهواً؛ لأنه لا يدخل تحت التكليف أصلاً، فدل على أنهم فعلوها مع العمد؛ لكنها كانت صغيرة؛ ولأن العمد إلى القبيح مع العلم بقبحه لو كان مدخلاً للفعل في حد الكبائر لكان مع التمكين من العلم مدخلاً للفعل في حد الكبائر.
  ألا ترى أن فعل الكفر مع العلم بكون الكفر كفراً لما كان يوجب كونه كفراً، فكذلك إذا تعمد فعل الكفر مع التمكن من العلم بكونه كفراً يجب أن يكون كفراً، فصح لك أن هذا لا يستمر، فقد يكون الفعل متعمداً وليس بكبيرة، كمعاصي الأنبياء $، وقد يكون كبيراً وإن لم يتعمد المخالفة، كما يفعل مع الجهل بقبحه، وذلك كثير من عبادة الأصنام، واستعمال كثير من الحرام، وفعل شيء من العبادات على غير الوجه المشروع وغير ذلك.
  فإذاً الصحيح أن الكبيرة والصغيرة لا يعرفان بصورهما، وإنما يعرفان بأحكامهما، وهو ما يستحق به الحد وشبهه على وجه النكال، أو ما يعلم مقدار عقابه وعقاب غيره من الأفعال، أو يراد به دون ما لا يثبت فيه ذلك، فيكون حد الكبيرة ما يستحق به من العقاب في كل وقت، من عقيب أن يفعله، أكثر مما يستحقه من الثواب على وجه الاستمرار، ويكون الصغير ما يستحق به في كل