كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر مسألة التحابط بين الصغائر والكبائر]

صفحة 110 - الجزء 3

  وقت أقل مما يستحقه من الثواب في كل وقت على جهة الاستمرار، فيسقط الأقل بمثله من الأكثر على وجه التقسيط في أوقات الأبد، وهذا معنى صحيح، وما يعقلها إلا العالمون، وفيه فصول واحترازات لا حاجة إلى تفصيلها في هذا الموضع، فقد قيل:

  تَبْغِي النَّجَاةَ ولَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا ... إنَّ السَّفِيْنَةَ لا تَجْرِي على اليَبَس

  ولوجه آخر: وهو أن هذا الكلام فرع على الاستحقاق، والاستحقاق فرع على أن العبد فاعل مختار، وعلى اختصاص مقدوره به دون غيره، وجميع ذلك مفقود عند كثير من الناس، والمجبرة القدرية منهم، فلذلك لم نطل الكلام فيه، وإن كان من أهم الأمور، وهو الذي لأجله لم نقطع ولا من طابقنا من علماء الإسلام، على أن تقدم المشائخ الثلاثة على أمير المؤمنين # كبيرة⁣(⁣١)، فافهم ذلك إن كنت من أهله، وإلا فاطلبه في موضعه ومحله، ودع السجع والنظام، والمزاوجه بين الكلام، فيما فائدته قليلة، ومعانيه مدخولة؛ فإن الحق أحق أن يتبع، والباطل أولى أن يجتنب ويستشنع، وهذا بخلاف تجويزك المغفرة لمعاوية ومن جانسه؛ لأنه قد صح فسقه، بل كفره بيقين، على ما نبينه في موضعه إن شاء الله تعالى.

  قال [أي فقيه الخارقة]: فنقول وبالله التوفيق: «اعلم أن الكبيرة والصغيرة اختلف العلماء في بيان أعيانهما وفي حصرهما اختلافاً كثيراً، ولا فائدة في تكثير النقل؛ إذ المقصود غير حاصل من ذلك، ولأن ذلك إنما يعرف يقيناً من جهة التوقيف، ولم


(١) قال ¦ في التعليق: قف واعرف على أن مستند توقف الإمام في حق المشائخ هو عدم القطع بكبر معصيتهم، وقد نبهنا سابقاً على أنه لا معنى لتجويز جهلهم بمدلول الأدلة، وأنهم على ما أصَّلَهُ الإمام من أن بعض العمد من الصغائر لا مانع من إقدامهم على جهة العمد، ولا يستلزم البراءة منهم؛ إذ يجوز مع ذلك صغر معصيتهم ويجوز كبرها. فكان الوقف من هذه الجهة لا من تجويز الخفاء عليهم، فإنه يستحيل أن نكون بها أعرف على تأخرنا واحتياجنا في معرفة الأدلة وما دلت عليه إلى مقدمات طويلة عريضة، فلم نسمع كما سمعوا، ولم نشاهد، ولا نفهم كفهمهم، فَعِلْمُنا بالاستدلال، وهم به وبالضرورة، والله أعلم.