كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الأدلة على استحقاق الذم بعد المدح والمدح بعد الذم]

صفحة 120 - الجزء 3

  بل قد خاطب الله نبيه ÷: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}⁣[الزمر: ٦٥]، تعريفاً للأمة، وتحذيراً لأرباب الأماني، وإلا فقد علم أنه لا يشرك، إلا أن يحصل من علمك أن من أطاع الله طاعة توجب الرضا، لا يجوز وقوع معصية منه أصلاً، فبين لنا ذلك؟ فكيف ينكر هذا عاقل، أو يردد الكلام فيه.

  وقد شفعناه بالبراهين، وذكرنا أن إجراء اللفظ على ظاهره من دون اشتراط الاستقامة على الدين يكون فيه إغراء بملابسة الشهوات، والانهماك في اللذات؛ لما له في ذلك من الدواعي القوية، ولعلمه على زعم المخالف من أنه صائر إلى الجنة على كل حال، سواء كفر أو فسق، أو زنا أو سرق، أو خرج عن الإسلام، أو خرج على الإمام الحق، وهذه مقالة ما قال بها مسلم.

  ولو تدبر ما عاب لكان أول ناقد على نفسه في عيبه، ومعترفاً بخطاياه في تكفير من قال بما دل عليه الدليل، وسنة الرسول ÷، لكنه كما قيل في المثل: خُنِق فأزبد، ولو كان عوض ذلك نظر في الأدلة من الكتاب والسنة، لعرف حينئذ من أولى بالتفسيق والإكفار.

  وقد كررنا الأدلة الدالة على أن المطيع تقع منه المعصية فيستحق النار، وأن العاصي قد يتوب فيستحق الجنة، وحكينا في ذلك من أدلة الكتاب الكريم، ومن الأخبار الشريفة ما يزيد على أربعين حديثاً عند الكلام في الإحباط والتكفير، وعند ذكر تخليد الفساق؛ فأين يتاه بالفقيه عن هذه الطريقة المثلى؟

[الأدلة على استحقاق الذم بعد المدح والمدح بعد الذم]

  ألم يسمع قول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ... إلى آخرها [الفتح: ١٨]، وإلى قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ١٠}⁣[الفتح]، فأخبر سبحانه أن من نكث بعد بيعته وبعد رضاه عنه فوبال نكثه عليه، وذلك يدل على أنه لو