كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تأويل الخروج من النار]

صفحة 134 - الجزء 3

  فلقد افتريت على الله، وكذبت على رسول الله ÷، ومن أجل هذا قلت لكم: إنكم تذهبون إلى أن الكذب جائز عندكم لنصرة دينكم، فتحاشيت عن ذلك، وأحلتني فيه على المطرفية، فلقد ساويتها في هذا، وأشبهت المخترعية.

  فإن كنت فيما ادعيت صادقاً، فارو لي ما تعلم من الأحاديث فيما ذكرت، ولن تجد ذلك أبداً قطعاً، إلا عمن وصفت، مع أن إبليس يستحي من مقالتك، ويختزي من أن يجهل مثل جهالتك، أو يتواقح في مثل هذا مثل وقاحتك، وهذا دليل على أنك لا ترجو الثواب، ولا تخاف أليم العقاب⁣(⁣١)، ولا تستحي من قبيح، ولا تتحاشى من وضع الباطل موضع الصحيح، وتتكلم بما هويت، ولقد قال النبي ÷: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، و {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ٦٧}⁣[الأنعام]، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ٢٢٧}⁣[الشعراء]».

  فالجواب: أن صاحب الرسالة ما ذكر له إلا الحق؛ لأن خبر الشفاعة على التفصيل الذي ذكرته القدرية والمرجئة لم يبلغ حد التواتر، فجاز أن يقول فيه: إن صح، وما عليك من صح في هذا من خطر فيما ليس بمتواتر فيعلم ضرورة، حتى تجتري في السَّبِّ والأذى، بما لا يجتري عليه من له دين أو في وجهه حياء،


(١) قال ¥ في التعليق: كيف يرجو الثواب وهو لا يجب على الله تعالى؟ وبماذا يرجوه وليس له عمل، بل العمل لله؟ ثم ولو كان له عمل فلا تأثير له في الثواب، ومع ذلك يجوز أن لا يثيبه الله ويخلف وعده ولايقبح منه تعالى.

وكيف يخاف أليم العقاب وهو يعلم أن العفو أفضل من الانتصاف؟ وبماذا يخاف ولا عمل له بل العمل لله لا شريك له، ومع ذلك يُجَوِّز أن الله إنما خلقه لجهنم كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ}⁣[الأعراف: ١٧٩]؟! ثم لو عمل واتقى فهو يجوز أن يعذبه الله بغير ذنب؛ لأنه عبده وملكه يفعل به تعالى ما يريد، ولا يُسأل عما يفعل، ولا يتصور منه ظلم.

لا جرم أن مذهبك هو الذي أوصله إلى الوقاحة وعدم رجاء الثواب والخوف من العقاب وجَرَّأهُ على ما وبخته به، فكيف تذمه على ما وقع منه من ثمرة مذهبك؟ وهل يذم الإمام مقلده والمتبوع تابعه؟! فتدبر تُصب.