كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن الوفاء بالوعيد ذم والرد عليها]

صفحة 141 - الجزء 3

  وأما قوله: «ولا بد من معارضة بيتيه ببيتين ذم فيهما من يفي بالوعيد، وليس العفو والتجاوز من طبعه وسجيته، وهما أولى، لموافقتهما ما حض الله عليه، وندب رسول الله ÷ إليه.

  كَأَنَّ فُؤَادِيْ بَيْنَ أَظْفَارِ طَائِرٍ ... مِنَ الخوفِ في جَوِّ السَّماءِ مُحَلِّقِ

  حذارَ امرئٍ قَدْ كُنتُ أعلمُ أنَّهُ ... مَتَى مَا يَعِدْ مِنْ نَفْسِهِ الشرَّ يصدق

  فذمه على الوفاء بالوعيد، وقد كان النبي ÷ غضب على كعب بن زهير⁣(⁣١)، وأهدر دمه، فمدح النبي ÷ وقال فيما مدحه:

  نُبِّئْتُ أنَّ رَسولَ اللهِ أَوْعَدَنِي ... والعفوُ عِندَ رسولِ اللهِ مَأْمُولُ

  فسمع النبي ÷ مدحه فأجاره وعفا عنه، ولو كان إخلاف الوعيد كما تقول أيها القدري كذباً، لم يعف عنه النبي ÷ ولكان يقول: إني قد تواعدتك والخلف بالوعيد كذب، وأنا لا أكذب، لا سيما وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ فافهم هذا إن كنت من أهله».

  والجواب: أن يقال له: أين المجمل يا عالم المسطور، الذي لا يجوز تأخير بيانه هاهنا؟ لكنك سمعت الكلمة فركبتها في غير موضعها، كالذي لبس السراويل في رأسه لما سمع أنه من الملبوسات! وعلى مذهب من لا يجوز تأخير البيان؟! أعلى مذهب أهل العدل والتوحيد؟ أم على رأي أهل الجبر والقدر؟ ولسنا نعجب من جهله في هذا، إنما نعجب من النادر دون المستمر؛ لأن عندك يجوز من الباري تأخير البيان، والتعبد بما لا يدخل تحت الإمكان، فراجع مسطورك، وتبين أمورك، وافرق بين وعيد الخالق والمخلوق.

  فأما الشاعر فلا شك أن قوله يزيد وينقص على قدر غرضه، وأما البيتان


(١) كعب بن زهير: هو كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد فحول المخضرمين، ومادح النبي الأمين. تمت جواهر الأدب.