[رسالة الإمام محمد بن عبدالله (ع) إلى خواص أصحابه]
  تصرمت عليهم مدة البلاء بقيامه ÷ فيهم يدعوهم إلى النجاة، ويضمن لهم الظفر في الدنيا وحسن المثوبة في الآخرة، ويخبرهم عن القرون الماضية كيف نجا مَنْ نجا منهم بالاستجابة لرسلهم، وكيف بعث العذاب على من تولى منهم.
  وسألهم أن ينظروا إلى آثارهم وديارهم خاوية على عروشها كيف تركوها وما فيها، فقال: يا قوم احذروا مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود؛ فأبوا إلا التكذيب بالتوحيد، واستعظموا أن يجعلوا الآلهة إلهاً واحداً، فلما أُمر أن يجاهد بمن أطاعه من عصاه كبر(١) عليه مجاهدة الكثير من المشركين بالقليل من المسلمين - ضمن الله له عاقبة العلوّ والظفر، وشدّ له أزره، وأعانه بابن عمه، وابن صنو أبيه، وشريكه في نسبه، ومؤنسه في وحدته؛ من الشجرة المباركة فرعاً، دعاه فاستجاب له على ضراعة من سِنّه، حتى سيط الإسلام بلحمه ودمه، ولم يخشع بين يدي لاتهم وعزّاتهم إذ هي تُدعى، وغيره خاشع لها، عاكف عليها، هي لهم منسك، إلى أن اشتدت على التوحيد أعظمه، وعظمت في أنحاء الخير هممه، إليه يستريح رسول الله ÷ بأسراره، فكان هو # الصديق الأكبر، والفاروق المشتهر، سابق العرب إلى الغاية، ليس أمامه فيها إلا الرسول المرسل بالكتاب المنزل، يصلي بصلاته، ويتلو معه آياته، تفتح لعملهما أبواب السماوات السبع، يهوي جبينه مع نبيه ÷ إلى القبلة المجهولة عند قومه، ليست تنحني إليه أصبع يمدها متوسل إلى الله جل ثناؤه غير أصبعه، ولا ظهر يحنو لله في طاعته قبل ظهره إلا ظهر نبيه، إن ساماهم بشرفه في أوّليته سبق عليهم بفارع غصون مجده، وعواطف شرف مَنْ قام عنه من أمهاته.
  ثم نشأ في حجر من نشأ، يؤدبه بالكتاب؛ إذ غيره يباكر عبادة اللات والعزى، شهد له القلم الجاري بعلمه في حال الفردانية؛ إذ هو يسارق الصلوات أهله؛ إذ لا قلم جار ولا شهيد على مطيع ولا عاص غيره.
(١) هكذا في النسخ الموجودة فلعله سقط حرف العطف قبل لفظ كبر. تمت إملاء الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.