[بحث في الرؤية]
  فالجواب: أنه لم يبين ما يستدل به من الكتاب والسنة فيقع الجواب عنه، والتعليقات وإن كثرت فلكل سؤال جواب، ولكنا نقول: من أثبت الرؤية فقد رد كتاب الله وسنة رسول الله ÷.
  أما كتاب الله تعالى فقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٠٣}[الأنعام](١)، فتمدح سبحانه بنفي إدراك الأبصار وهو
(١) قال ¦ في التعليق: واعلم بأن الأشعرية يتأولون الآية على معنى: لا تُدركه جميع الأبصار في كل وقت، بل بعض الأبصار في بعض الأوقات، ولايخفى ما في تأويلهم من التحريف وإلغاء فائدة كلام الحكيم، فإنه على قود تأويلهم يكون الله تعالى تمدح ووصف نفسه بصفة يشاركه فيها حتى الجمادات، فإن الجبال لا تُدرك بكل بصر في كل وقت ضرورة، فلم يبق إلا أنه لا يُدرك بأي بصر في أي وقت، وأن شأنه ذلك لكونه ليس كمثله شيءٌ.
وكذا الكلام في قوله تعالى جواباً على موسى (صلى الله عليه): {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف: ١٤٣]، في أنه يجب حمل النفي على استغراق الأوقات، فأمَّا حمله على بعض الأوقات فهو معلوم لموسى من قبل السؤال.
على أنه إذا ثبت عند الأشاعرة استحالة رؤيته تعالى في الدنيا فإنه يلزمهم القول باستحالتها في الآخرة؛ إذ لا يجوز في العقل قلب الحقيقة بأن يصير المحال جائزاً فيلزمهم جواز الجسمية أو العرضية عليه تعالى في الآخرة، بل جواز التعاكس بأن يصير المربوب ربًّا والرَّب مربوباً، فماأشنعه من مذهب يلزم صاحبه هذه الأباطيل. تمت، والله الهادي.
وأمَّا قولهم: يُرى تعالى بلا كيف، فملاوذة ولا معنى لها.
قال التفتازاني في (شرح المقاصد) ما لفظه: قالت الأشاعرة: ذلك مُسلم، لكنه عام مخصوص بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}[القيامة].
وبما روي عنه ÷: «سترون ربّكم ..» الحديث.
قالت المعتزلة: عند نزول قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣} يجب تأويله؛ لأنه يعلم أن النظر الحقيقي المكيف محال عند الجميع، فوجب حمله على ما يصح، ولم يكن المعارضة بينه وبين قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣]، إلا بعد أن أُوِّلَ فلا يصرف به قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} عن ظاهرة، والذي صرح بذلك التأويل الإمام الرازي ... إلخ.
قال: وفي (الرسالة السعديَّة) عن الإمام الرازي أنه قال: القول بالرؤية بلا كيف مخالف لجميع العقول؛ لأنه لا يعقل تفسيره إلا بالرؤية المتشخصة كما تقول المجسمة، أو بمعنى العلم الضروري كما تقول المعتزلة. انتهى من (إفادة الإمام محمد بن عبدالله الوزير ¥). ومثل قول الرازي من أن الخلاف لفظي قول الغزالي في (الاقتصاد): إن الرؤية عبارة عن تجلٍّ مخصوص لا ينكره العقل.