كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الجواب على من جوز تكليف ما لا يطاق]

صفحة 200 - الجزء 3

  وهذا عام، ويلزمهم إثبات القضاء بمعنى الأمر، فيكون تعالى عندهم آمراً بالقبائح والفحشاء.

[الجواب على من جوَّز تكليف ما لا يطاق]

  وقوله [أي الشيخ محيي الدين]: «ولا تكليف ما لا يطاق. فنقول⁣(⁣١): لا يستحيل ذلك قال الله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}⁣[البقرة: ٢٨٦]، فلو لم يكن ممكناً، لما ساغت الاستعاذة منه».

  والجواب: أنا قد بينا أن تكليف ما لا يطاق في الشاهد قبيح، ولهذا يقبح من أحدنا أن يأمر غيره بالطيران، وأن يكلف الأعمى بنقط المصحف على جهة الصواب، ويكلف المقعد بالعدو مع الخيل، ولم يقبح إلا لأنه تكليف ما لا يطاق، فلو وجد ذلك في تكليفه تعالى لقبح؛ لأن الاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في معلولها، وإلا خرجت من كونها علة.

  وأما قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}⁣[البقرة: ٢٨٦]، ففيه وجهان؛ أحدهما: الانقطاع إلى الله تعالى، وأنه الذي تطلب الحوائج منه سبحانه دون غيره، ولم يدل ذلك على جواز وقوع ما طلب الاستعاذة منه، كما في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}⁣[الأنبياء: ١١٢]، فليس فيه دلالة على جواز الحكم بالباطل، وإنما كان ذلك على سبيل الالتجاء إليه سبحانه، والتضرع إليه.

  والوجه الثاني: أن لفظة (ما لا يطاق) قد تستعمل فيما يشق فعله، وإن كان مقدوراً ممكناً، كما يقول القائل: إني لا أستطيع فلاناً بغضاً، معناه أنه يشق عليه مكالمته ومخالطته، فلما شق عليه وعظم صار كأنه لا يستطيعه⁣(⁣٢)، وقد يسمى


(١) القائل فقيه الخارقة.

(٢) قال ¦ في التعليق: وكذا قال العباس لرسول الله ÷ لما أرشده إلى صلاة التسبيح في كل يوم قال: ومن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: في كل شهر مرة، قال: ومن يطيق ذلك، قال: في السنة، قال: ومن يطيق ذلك. فأطلق على الشاق أنه لا يطاق، وقرّره ÷. تمت والله أعلم.