[دعوى الفقيه تكليف أبي لهب ما لا يطاق والرد عليها]
  الشيء باسم ما يقاربه، كما يسمى المرض المخوف موتاً، كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ}[البقرة: ١٨٠]، فكأنهم سألوا الله تعالى أن لا يكلفهم ما يشق عليهم من فعل وترك.
[دعوى الفقيه تكليف أبي لهب ما لا يطاق والرد عليها]
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «وأيضاً فإن الله تعالى كلف أبا لهب الإيمان، وأمره أن يصدق نبيه بجميع ما أخبر به، ومن جملة ما أخبر به أنه لا يؤمن، وأنه سيصلى النار، فقد أمره أن يصدقه بأنه لا يصدقه، وذلك جمع بين نقيضين، وتكليف ما لا يطاق».
  فالجواب: أن هذه المسألة من جملة ما استفاده من مشائخه المعترضين على الله تعالى في الخلق والتكليف، كما ذكره في الأمثلة الأولى، ولنا في جوابه وجوه؛ أحدها: أن تكليف الله تعالى لأبي لهب حق بالإجماع، وأن تكليف ما لا يطاق أو ما هو مستحيل باطل، فيجب أن يقطع على حسن تكليفه، وإن لم يُعلم وجه حسنه مفصلاً، متى ثبت أن المكلِّف تعالى حكيم، وهذا لا خلاف فيه.
  والثاني: أن أبا لهب مأمور بأن يصدق نبيه بجميع ما أخبر به، ولكن من أين أن من جملة ما أخبر به في ذلك الوقت أنه لا يؤمن، وأنه سيصلى النار، وما أنكرت أن تكون سورة تبت نزلت بعد ذلك بمدة مديدة، وكان نزول السورة بعد أن عاند وجدد الكفر، وعلم الله تعالى أنه لا يصلحه شيء، فنزلت السورة بعد ذلك.
  والثالث: أن التكليف يتعلق بالقدرة، والإخبار بأنه لا يؤمن لا يزيل القدرة(١)، فصار تكليفه مع الإعلام له بأنه يكفر، كتكليف الله سبحانه سائر
(١) قال ¦ في التعليق: يقال: لكنه يتجدد عليه التكليف بتصديق ما في السورة كسائر ما أنزل من القرآن، فالوجه في الجواب هو الوجه الثالث، اللَّهُمَّ إلا أن يقال: إن التكليف من أصله مبني على المصلحة والغرض العائد إلى المكلف، ولا غرض في تكليف أبي لهب بأن يصدق بأنه لا يصدق؛ بل =