[حوار حول القدرية]
  قال بإضافة أفعال العباد إلى الله تعالى هم القدرية؛ لأنه مذهب مذموم، والقدري اسم للذم، ولهذا شبههم النبي ÷ بالمجوس، ونهى عن زيارة مرضاهم، وحضور جنائزهم، وفي الخبر الآخر عن مجالستهم، وفي الخبر الثالث أنهم خصماء الرحمن وشهود الزور؛ لأنهم الذين يشهدون لمن أضاف القبائح إلى الله بصحة المذهب، ولمن اعتذر في ترك الواجبات بأنه لم يقدر عليها، وأن الله منع منها بأبلغ منع، وحال بينهم وبينها بأقوى حائل، وأنهم أُتوا في جميع ذلك منه سبحانه، فمن أولى باسم القدري من هؤلاء؟ ومن أحق بمشابهة المجوس منهم؟ فكيف يرمي خصمه بدائه؟
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «الثاني: وهو أنه لا يذهب هذا المذهب - يعني مذهب المجبرة - بل يثبت للعبد في أفعاله قدرة واختياراً، ومشيئة وإرادة، ولكنها متعلقة بمشيئة الله تعالى».
  فالجواب: أنه قد رجع إلى تخاليطه في إضافة الأفعال إلى العباد تارة، وإلى الله أخرى، غير أنه يقال له: هل قدرة العبد واختياره ومشيئته يمكنه مع حصولها أن يفعل ما قدر عليه واختاره وشاءه، ويمكنه أن لا يفعل؟ أم لا بد عند القدرة أن يجب وجود الفعل؟
  فإن قال بالأول(١) حقق إضافة أفعال العباد إليهم، وبطل قوله إنه متعلق بمشيئة الله. وإن قال: إن عند حصول القدرة والاختيار والمشيئة يجب حصوله لا محالة، وهو مع ذلك متعلق بمشيئة الله تعالى، كان ذلك تعليقاً فارغاً؛ لأنه إنما يعلق الفعل بما له فيه تأثير؛ فأما ما يكون وجوده وعدمه على سواء، فيكون تعليقه به عبثاً، وكان تعليقه بالقدرة والمشيئة كتعليقه باللون وشبهه لا فائدة تحته.
  وعلى أن قوله: ولكنها متعلقة بمشيئة الله تعالى - إن أراد أن إرادة الله هي
(١) الأول هو: قدرة العبد واختياره ومشيئته يمكنه مع حصولها أن يفعل ما قدر عليه واختاره وشاءه ويمكنه أن لا يفعل؟