كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام في حديث اقتدوا بالذين من بعدي]

صفحة 268 - الجزء 3

  ولا عند استخلافه عمر، ولا يوم الشورى، ولا على معاوية فيما شاع عنه وظهر، بل قال لمعاوية في مكاتبته إياه فيما صح لنا من الخبر، لما قال له من ولاك؟ قال: ولاني القوم الذين ولوا أبا بكر وعمر.

  فهذا وأمثاله من تقحم هذا القدري، أنزل الله فيه وفي فرقته: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ٤٨ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ٤٩}⁣[القمر]، وما أحسن أبيات المعري في هذا المكان، لما ذكر فساد الزمان، وأشار إلى مثل هذا العدوان، وأن ليس موضعها ما تقدم، وإنما اللائق ذكرها الآن:

  فَيَا عَجَباً كَمْ يَدَّعي الفضلَ نَاقصٌ ... ويا أسفا كم يَكْتُمِ الفَضْلَ فَاضِلٌ

  إَذَا وَصَفَ الطَّائيَّ بالبُخْلِ مَادرٌ ... وَعَيَّرَ قِسّاً بالفَهَاهَةِ بَاقِلُ

  وَطَاوَلَتِ الأرضُ السماءَ سَفَاهَةً ... وفَاخَرَت الشُّهْبَ الحصَى والجَنَادِلُ

  وقال السُّها لِلشَّمْسِ أنتِ خَفِيَّةٌ ... وقال الدُّجَا لِلصُّبْحِ لَوْنُكَ حَائِلُ

  فَيَا موتُ زُرْ إنَّ الحياةَ ذَمِيْمَةٌ ... ويا نفسُ جدِّي إنّ نَجْمَكِ آفِلُ⁣(⁣١)

  فهذا هو الاستشهاد الصحيح، الذي يعترف به كل أعجمي وفصيح، لا ما قدمه أولاً من القبيح، ثم من غاية جهله أن كتب (الفظيع) بالضاد، فلقد أعماه الله عن الفرق بينهما، لعدم التوفيق وسلوك طريق العناد».

  فالجواب: أن ما ذكرت من الصحابة، وعلمهم وفضلهم، وما ورد فيهم، وفي أبي بكر وعمر خاصة، فلا مانع من ذلك كله، ولكن ما أمرهم بأعجب من أمر بني إسرائيل، أراهم الله الآيات الباهرة، والدلائل الظاهرة، والآيات التسع التي أَقْربُها بهم عهداً انفلاق البحر، ثم غاب عنهم نبيهم، ووعدهم الرجوع إليهم، فعكفوا على العجل، وخالفوا أخاه وشريكه في أمره وخليفته عليهم،


(١) سبق بيان مفرداتها في بحث [انتقاد الفقيه لما لا غرض فيه والرد عليه].