[تجميل الإمام لحال الصحابة ليس تقية، ومجرد الوصف بالظلم لا يدل على السب]
  والعجب يقيناً أنا صرنا نجمل له أفعال مشائخه وأئمته وهو يقبحها، ونعتمد على الإنصاف في إغلاق أبواب السب واللعن وهو يفتحها، محبة منه للخلاف، ولو قامت الدلالة على ذلك لم نحابه فيه ولا سواه، فلا محاباة في الإكفار، لكن فعل العلماء وأهل الدين من ذلك ما يقتضيه نظر النظار، العارفين بمواقع الإيراد والإصدار، غير مائلين إلى تقليد ولا عادلين عن طريقة استبصار، بل معولين على توفيق الله سبحانه في إعمال الأفكار، عملاً بما قاله شيخ الأبرار: من دق في الدين نظره، جل يوم القيامة خطره.
  وما عقَّب به من السب والأذية، والإزراء على الذرية الزكية، فليحطب إلى حبله، وليتزود من ذلك إذ كان من أهله، فكلٌّ ملاقٍ عمله، ولا بد أن يعلم ما له وما ليس له، ولقد كان غنياً من تكلف جواب هذه صفته، وخطاب هذه صيغته، فلو حكينا ما أودعه رسالته لكان من أعظم هجنة، وأشد على قائله من كل محنة.
  من ذلك: نسبة البيتين إلى الكندي قطعاً، على أنه لا يصح من الروايات إلا ما بلغه، ونقل إليه، ولم يعلم قول العزيز الحكيم: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ٧٦}[يوسف]، ولقد ظهر عند أهل الأدب أن القصيدة التي أولها:
  هَلْ بِالطُّلُولِ لِسَائِل رَدُّ ... أمْ هَلْ لَهَا يَتَكَلَّمُ الْمَهْدُ
  ادعاها سبعون فحلاً من الشعراء، ولكن فبماذا يفرق بين العاقل والجاهل، والمستقيم والمائل؟ ولله القائل:
  قَدْ أفْلَحَ السَّالِمُ الصَّموتُ ... كلامُ راعي الكلامِ قُوتُ
  ما كُلُّ نُطْقٍ لَهُ جَوابٌ ... جوابُ ما يُكْرَهُ السُّكُوتُ
  وأما حكايته أن الإمام نقض كلامه الأول بالثاني، حيث ذكر أن أمير المؤمنين لم يلعن، وحكى أنه شكا تقدمهم عليه؛ فحكاية منهاره؛ لأن الشكاية لا