كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[القدرة صالحة للضدين]

صفحة 297 - الجزء 3

  والعجب كيف يغيب هذا المعنى عمن له قلب، أو يخفى على عاقل ذي لب، ثم لا يرضى هذا الجاهل لنفسه بذلك، حتى يلزمه من لا يلزمه وهو له ألزم، ويضيف إليه من ذلك ما هو به أقوم.

  فأقول وبالله التوفيق: أما قول القدري: إن هذا كذب وبهتان على إمام الزمان؛ لأن رأيه # أن الله يؤيد أولياءه بالمعونة والتوفيق والتسديد، ويرشد جميع المكلفين بالبيان والإقدار والتمكين وإزاحة العلل - فالكذب⁣(⁣١) قوله لأن إمامه يعتقد أن للإنسان قدرة تصلح للضدين، الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، وأنه مخير ممكَّن، ولا تصرف لله تعالى في أفعاله، ولا قدرة له على مقدوراته، فما معنى سؤال المعونة والتوفيق والتسديد؟

  فكيف يسأل الله تعالى أن يعينه على فعل شيء هو أقدر عليه من الله ø، فيكون قد سأل الله تعالى ما لا يقدر عليه، فهذا مذهبهم.

  فبان لك أن قول هذا الرجل هو الكذب والبهتان، وأنه قد سلك طريق الإفك والعدوان، ولهذا قال: لأن رأيه # كذا، ولم يقل اعتقاده، وقد يرى الإنسان شيئاً ولا يعتقده، والتوفيق عندنا هو الذي لا يستغني عنه الإنسان في كل حال، ومعناه موافقة إرادة الإنسان وفعله قضاء الله تعالى وقدره، وهو صالح للاستعمال في الخير والشر، ولكن صار متعارفاً في الخير والسعادة، فوجه الحاجة إلى التوفيق بيّن، وهم لا يقولون بهذا».

  والجواب: أن حكايته أن الإمام يعتقد أن للإنسان قدرة تصلح للضدين، الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية - حكاية صحيحة؛ لأنه لا يؤمر بفعل ما لا يقدر عليه، ولا ينهى عنه، وقد قدمنا من الأدلة على ذلك ما يغني.

  أما أنه قادر فلأنه صح منه ما يتعذر على غيره، وأما أنه قادر بقدرة؛ فلأنه


(١) بداية كلام فقيه الخارقة.