كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[القدرة صالحة للضدين]

صفحة 298 - الجزء 3

  قادر مع الجواز، والحال واحدة، والشرط واحد، ولأن الصفة تتجدد في حال البقاء، ويدخلها التزايد، ويخرج منها مع بقائه، فوجب أن يكون لمعنى وهي القدرة، كما في غيره من طرق إثبات المعاني، على ما ذلك مقرر في مواضعه من كتب الأصول.

  وأما أن القدرة صالحة للضدين، فلأن المأمور بالفعل، إما أن يكون قادراً حالة الأمر أم لا؛ فإن كان قادراً؛ فقد وجدت فيه القدرة قبل وجود الفعل، فثبت تقدمها، ولا بد من أن يصح بها فعل، وإلا كان لا طريق إلى إثباتها، ولا يجوز أن تكون مع ما تعلق الأمر به؛ لأن من يقول بذلك يقول بأنها موجبة للفعل، فيقبح الأمر بالواقع، فيلزم أن يكون له قدرة حالة الخطاب، ليصح منه أن ينظر في الخطاب، ليمتثله فيما بعد، والنظر في الخطاب مقدور، غير الفعل المأمور به، فلزم أن تصلح للضدين، وأنها متقدمة للفعل، وأنها غير موجبة، ولأنها لو كانت موجبة لقبح الأمر بالواقع، وبما لا بد من حصوله أمراً أو نهياً، وكذلك يقبح النهي مع وجود القدرة الموجبة للمنهي عنه؛ لأنه نهي عن الواقع، فتصير المقدورات في هذا الباب كالألوان، فكما لا يحسن الأمر بلونه، ولا النهي عنه لأنه حاصل، كذلك الأفعال مع القدرة الموجبة لمقدورها.

  ولأنها لو لم تصلح للضدين لجوزنا حصول قدرة على تحريك الجبل الشاهق، ولا يمكن بها تحريك خردلة، ولأنه كان يمكنه على هذا أن يسير يمنة ألف فرسخ، ولا يسير يسرة خطوة واحدة، وجميع هذا قد تقدم.

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «ولا تصرف لله تعالى في أفعاله، ولا قدرة له على مقدوراته».

  فالجواب: أنه تعالى قادر على التصرف في أفعالنا، بمعنى أنه يقدرنا بأن يخلق لنا القدرة التي يمكننا بها الفعل، فهي كالآلات التي لولا خلقها تعالى لما أمكننا الإدراك، من الأذن والعين واللسان، وقادر على أن لا توجد، بأن يمنعنا القدرة