[إثبات أن من أضاف أفعال العباد إلى الله فهو مجبر]
  هو العبد، أثبت العبد فاعلاً، مع أنه لا يعقل إثبات كسب ليس هو الفعل.
  وإن قال: خالقه الله سبحانه، كان على مذهب جهم من وجهين أحدهما: إضافة الفعل إلى الله تعالى من حيث الخلق له، والثاني: إضافته إليه من حيث خلق اكتسابه.
  هذا ما يتوجه على الفقيه من هذين الوجهين، سوى ما انتقل إليه من الأقوال المتنافية، التي قدمنا ذكرها مراراً، فهو في هذه المسألة بين أمور: إما أن يجعل أفعال العباد خلقاً لله تعالى لزمه ما قدمنا من كونه مشابهاً للمجوس، ومن إبطال فائدة الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والمدح والذم، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وكذلك فائدة الدعاء لله تعالى بالهداية والإرشاد، والتوفيق والتسديد إذا كان الفعل منه تعالى.
  وإما أن يضيف بعضها إليه تعالى من كل وجه، وهي ما تعدى محل القدرة كما يقوله الأشعري وطبقته، لزمه جميع ما ذكرنا من هذه الأمور؛ فإن أكثر ما تتعلق به هذه الأحكام ويحسن لأجله التعبد والدعاء، ويستحق به الثواب والعقاب؛ هو الأفعال المتعدية عن محل القدرة عليها.
  وإما أن يضيف الجميع إلى العباد، وأنهم الفاعلون لها، ولا تعلق لها بالله تعالى إلا من حيث أقدرنا عليها، والقدرة غير موجبة ومتقدمة، وصالحة للضدين، كما قدمنا، فيسقط الخلاف من أصله، ويسقط بسقوطه جميع ما أورد في هذا الباب.
  فاما أن يلتزم بالمذهب ويناظر عليه فإذا لزمه ما لا يمكنه التخلص منه قال: هذا يلزم المجبرة دوننا، يعني بذلك جهماً وأصحابه، ويقول: إن للعبد قدرة واختياراً، فإذا قيل له: القدرة يصح بها الفعل قبل وقوعه؟ قال: لا؛ لأنه لو قال بذلك لم تكن موجبة، وكانت متقدمة، وصح بها غير ذلك المقدور، كما يصح بها ذلك المقدور، وكان المكلف قادراً حالة الخطاب بأداء الفعل قبل أدائه له، وكذلك الكلام في الاختيار، يقال له: هل يمكنه أن يختار الفعل وأن لا يفعل أم