كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تأويل خبر الشفاعة بما يوافق الآيات والأخبار]

صفحة 321 - الجزء 3

[تأويل خبر الشفاعة بما يوافق الآيات والأخبار]

  ثم يحمل ذلك الخبر على تأويل موافق لهذه الآيات والأخبار، وهو أن المراد أهل الكبائر إذا تابوا، وإنما خصهم بالذكر مع أن شفاعته لغيرهم من المؤمنين، من حيث إن موقع الشفاعة في حقهم أعظم من موقعها في حق غيرهم، لكونهم من المفاليس عن الثواب؛ لما قدموا من الكبائر، أو لقطع توهم من يتوهم أن لا شفاعة لأصحاب الكبائر بعد توبتهم، فرفع ذلك بهذا الخبر.

  وإلا فشفاعته ÷ تكون للمؤمنين يوم القيامة، يزيدهم الله تعالى بذلك نعيماً إلى نعيمهم، وسروراً إلى سرورهم، على حد شفاعة الملائكة $، فقد بينها الله تعالى بقوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}⁣[الأنبياء: ٢٨]، وبقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ٧ ...}⁣[غافر] إلى آخر الآيات.

  وذلك يبطل قول من زعم أنها مختصة بالفساق، أو أن لهم نصيباً فيها، أو أنها غير مفيدة في حق المؤمنين، وهذا لأن الشفاعة كما تستعمل في إزالة الضرر تستعمل في زيادة النفع، قال الشاعر:

  أَتَيْنَا سُليمانَ الأميرَ نَزُورُهُ ... وكانَ امْرأً يُحْبَى ويُكرَم زَائِرُه

  كِلا شَافِعِي زُوَّارِهِ من ضَمِيره ... عَنِ البُخْلِ ناهيهِ وبالجودِ آمِرُه

  فإذا بطل بما قدمنا أن تكون لإزالة الضرر عن الفساق ثبت أنها مختصة بالمؤمنين؛ لزيادة المسرة والنعيم، وبطل بجميع ما ذكرنا قول الفقيه، وقطعه بغير بصيرة أنا نكذب بحديث الشفاعة، ونحن الذابون عنه، المثبتون له، الموضحون معناه الكاشفون [معناه]⁣(⁣١)، خلافاً للفقيه وأمثاله في أن⁣(⁣٢) الشفاعة لا تكون إلا


(١) زيادة من (نخ).

(٢) في نخ: بأن.