[بحث حول قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله ...} الآية]
[بحث حول قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ..} الآية]
  ثم قال: «قال القدري: وما ذكر بعد ذلك من حكاية استدلال الإمام # على إمامة جده أمير المؤمنين # من الكتاب الكريم بقول الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ٥٥}[المائدة]، وأن الإمام # قسم الكلام في هذه الآية في موضعين: أحدهما: أن علياً # المراد بها دون غيره. والثاني: أن ذلك يفيد الإمامة(١)؛ فإنه
(١) قال ¦ في التعليق: قال في (نهج البلاغة): قال الإمام علي #: (عليكم بطاعة من لا تعذرون في جهالته)، قال ابن أبي الحديد: يعني نفسه #. وهو حق على المذهبين: أمَّا نحن فعندنا أنه إمام واجب الطاعة بالاختيار، وأمَّا عند الشيعة فلأنه إمام واجب الطاعة بالنص، فلا يعذر أحد من المكلفين في جهالة إمامته. وعندهم أن معرفة إمامته تجري مجرى معرفة محمد ÷، ويقولون: لا تصح لأحد صلاة ولا صوم ولا عبادة إلا بمعرفة الله والنبي والإمام. وعلى التحقيق فلا فرق بيننا وبينهم في هذا المعنى؛ لأن من جهل إمامة علي وأنكر صحتها ولزومها فهو عند أصحابنا مخلد في النار ولا ينفعه صوم ولا صلاة؛ لأن المعرفة بذلك من الأصول الكلية التي هي أركان الدين، ولكنَّا لا نُسمي منكر إمامته كافراً، بل نسميه فاسقاً ومارقاً، ونحو ذلك. وأمَّا الشيعة فتسميه كافراً. فهذا هو الفرق بيننا وبينهم، وهو في اللفظ لا في المعنى. وقال ابن أبي الحديد في شرح قول علي #: يهلك فيَّ رجلان ... إلخ - فذكر اعتقاد أصحابه [أي أصحاب ابن أبي الحديد] فيه # [أي في أمير المؤمنين (ع)] قالوا: هو أفضل الخلق في الآخرة، وأعلاهم منزلة في الجنَّة، وأفضل الخلق في الدنيا، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب، وكل من عاداه أو حاربه أو بغضه فإنه عدو الله، سبحانه، وخالد في النار مع الكفار والمنافقين؛ إلا أن يكون ممَّن يثبت توبته ومات على توليه وحبه. فأمَّا الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين وَلُوا الإمامة قبله فلو أنه أنكر إمامتهم وغضب عليهم وسخط فعلهم فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف أو يدعو إلى نفسه لقلنا إنهم من الهالكين كما لو غضب عليهم رسول الله ÷، لأنه قد ثبت أن رسول الله ÷ قال له: «حربك حربي، وسلمك سلمي». وأنه قال: «اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه». وقال له: «لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ... إلخ». فإذا ثبت بالأخبار الصحيحة تَظَلُّم علي وتَجرُّمه وأنه استنجد واستصرخ وتلكأ من بيعتهم بإقرار ابن أبي الحديد[١] ألا يكون قد غضب وسخط، وكذا فإنه كان يدعي الأمر لنفسه بإقراره، فليتأمل.
[١] قوله: بإقرار ابن أبي الحديد، يعني إقراره في جوابه عن علي على معاوية لَمّا كتب إلى علي # وقال: إنك التويت على الخلفاء وقعدت عنهم، وإنك طلبت الخلافة لنفسك ... إلخ. فقال ابن أبي الحديد: (إن علياً لا ينكر ذلك ولا يجحده).
وكذا قوله: فقد روى كثير من المحدثين أن علياً يوم السقيفة تظلم وتجرم واستنجد واستصرخ ... إلخ، ويأتي ذكر ذلك عنه.