كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[استدلال الفقيه على خلافة أبي بكر، والرد عليها]

صفحة 342 - الجزء 3

  الحمل على الواحد لهذه الأدلة، ولفظ الجمع قد يستعمل في الواحد على وجه التعظيم، وذلك ظاهر لا يمكن إنكاره، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ٩}⁣[الحجر]، فذكر لفظ الجمع في خمسة مواضع وهو تعالى يريد بذلك نفسه، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١}⁣[القدر]، و {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ٣}⁣[الدخان]، ومثل ذلك كثير مستعمل.

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «ومعلوم أن علياً # في ذلك الوقت لم يكن له مال تجب فيه الزكاة».

  فالجواب: أنا لا نسلم ذلك، فإنه # كان يأخذ القسم من الغنائم أكثر من ذلك، وأكثر ما في هذا أنه لم يدخر شيئاً؛ فقلنا: إنه أخرج الزكاة في أول الحول، وهو مبادرة إلى الإخراج، ومسارعة إلى امتثال أمر الحكيم سبحانه، والوجوب عندنا يتعلق بملك النصاب، وإنما يتضيق بالحول.

[استدلال الفقيه على خلافة أبي بكر، والرد عليها]

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «ونقول قد ذكر الله تعالى قبل هذه ما دل فيه على خلافة أبي بكر، حيث قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ..}⁣(⁣١) الآية [المائدة: ٥٤]، فأخبر أنه إذا ارتدت طائفة من الأمة؛ فإن الله تعالى يأتي بقوم يحبهم ويحبونه، يحاربونهم ولا


(١) قال ¥ في التعليق: روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}⁣[المائدة: ٥٤]، قال: علي بن أبي طالب.

قلت: وهو الموافق لما روي بالتواتر من قوله ÷ في علي: «يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، وقوله في حديث الطير: «اللَّهُمَّ ائتني بأحب خلقك إليك»، وغير ذلك ممَّا يفيد أنه الأحق بها. ولذا قال علي في شأن طلحة والزبير: (فكان نكثهما كردتهما). وروى الشريف المرتضى أن الآية نزلت في علي #، رواه عن ابن عباس، وعن عمَّار، وعن علي، ذكره الحاكم. فيقال على الفقيه: إمَّا أن تدعي أن أبا بكر وأصحابه أئمة فهذا لم يقل به أحد. وإمَّا أن تقول: المراد أبو بكر. قيل: لم يقل (برجل) بل قال (بقوم) كما قلت أنه قال {الَّذِينَ آمَنُوا}، وإنما يستعمل في الجمع. فكأنه نسي ما اعترض به فوقع فيه، وهذا من أثر: «واخذل من خذله». وقد أشار إليه الإمام # في الجواب.