[ذكر من اعترف بحق أهل البيت (ع) من بني العباس]
  بالبلد ويقول بأعلى صوته: يا غافلين اذكروا الله، يا مذنبين استغفروا الله، يا مبغض معاوية عليك لعنة الله، وإن رابتي التي ربتني كانت لها عادة في أن تنتبه على صياحه، فجاءتني الليلة وأيقظتني وقالت لي: كنتُ نائمة فرأيتُ في منامي كأن الناس يهرعون إلى المسجد الجامع، فسألت عن السبب، فقالوا: رسول الله ÷ هناك، فتوجّهتُ إلى المسجد فدخلته، ورأيت النبي ÷ أعلى المنبر، وبين يديه رجل واقف، وعن يمينه ويساره غلامان واقفان، والناس يسلمون على رسول الله ÷ ويرد $، حتى رأيتُ الضرير - الذي يطوف في البلد ويذكّر ويقول كذا وكذا، وأعادت ما يقول في كل ليلة - قد دخل فسلم على النبي ÷ فأعرض عنه، وعاوده فأعرض عنه، وعاوده ثالثة فأعرض عنه، فقال الرجل الواقف: يا رسول الله رجل من أمتك ضرير يحفظ القرآن جاء ليسلم عليك فلم حرمته الرد عليه؟ فقال له: يا أبا الحسن، هذا يلعنك ويلعن ولدك منذ ثلاثين سنة، فالتفت الرجل الواقف فقال: يا قنبر، فإذا أنا برجل قد بدر فقال: اصفعه، فصفعه صفعة فخرّ على وجهه، ثم انتبهتُ فلم أسمع له صوتاً، وهذا هو الوقت الذي جرت عادته فيه بالصياح والطواف والتذكير.
  فقال أبو الفرج: فقلتُ: أيها الأمير فننفذ من يعرف خبره، فأنفذنا في الحال رسولاً قاصداً ليخبر أمره، فجاءنا يعرفنا أن امرأته ذكرت أنه عرض له في هذه الليلة حكاك شديد في قفاه فمنعه من الطواف والتذكير.
  فقلت لأبي علي المستأمن: أيها الأمير هذه آية ونحب أن نشاهدها، فركبنا وقد بقيت من الليلة بقية يسيرة، وجئنا إلى دار الضرير فوجدناه نائماً على وجهه يخور؛ فسألنا زوجته عن حاله، فقالت: انتبه وحكّ هذا الموضع - وأشارت إلى قفاه - وكان قد ظهر فيه مثل العدسة، وقد اتسعت الآن وانتفخت وتشققت، وهو الآن على ما تشاهدون يخور ولا يعقل، فانصرفنا وتركناه؛ فلما أصبحنا توفي، وأكبّ أهل صور على تشييع جنازته وتعظيمه.