كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن «من كنت مولاه» ليس معطوفا على ما قبله، والرد عليه]

صفحة 404 - الجزء 3

  عليه في اللفظ والمعنى، وذلك لا يجب، بل قد يكفي أن يشتركا في المعنى، وإن كان في أحدهما ظاهراً وفي الآخر خفياً، أو في أحدهما يتعلق به لفظ مفرد، والثاني يتعلق به ألفاظ مشتركة، وفي هذا الموضع هو من هذا القبيل، فإن لفظة مولى تفيد معاني؛ أحدها: الأولى؛ فصح الارتباط بين العطف والمعطوف عليه.

  فأقول وبالله التوفيق: قول هذا الرجل: اعتبر الاشتراك بين العطف والمعطوف عليه، ولو قال هكذا لكانت هذه دعوى تحتاج إلى شيئين؛ أحدهما: أن يذكر مثالاً عن العرب في مثل هذا المعنى الذي ذكرت في العطف، وأن مثل هذا موجود صحيح عن أهل اللسان.

  فإذا وجدت هذه؛ احتجت أيضاً إلى دليل آخر بأن النبي ÷ أراد بهذا اللفظ هذا المعنى الذي ذهبت إليه، ليكون ذلك صحيحاً؛ فأما بمجرد الدعوى فغير مسلم.

  على أن خصمك في هذا أظهر عليك؛ لأن النبي ÷ كما قال في أول الحديث: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» ثم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فلما عدل عن اللفظ الأول إلى غيره عُلِمَ أنه لم يرد العطف، وإنما أراد معنى آخر، وأنه إما في قصة زيد بن حارثة كما ذكرنا من قبل، أو يريد به من كنت ناصره ووليه فإن علياً ناصره ووليه، وهذا أوضح وأظهر مما ذكر صاحبنا، لأنه ادعّى دعوى تخالف الظاهر، ولم يستدل عليها».

  فالجواب: أنه متى ثبت أن لفظة مولى مشتركة بين معان: كالمعتِق، والمعتَق، وابن العم، والمود، والناصر، والأولى بالأمر، والمالك، على ما ذلك معروف في اللغة، لكنها في هذا الوجه من الاستدلال قد تخصصت بمعنى الأولى، والأحق؛ لأجل المقدمة السابقة، وهي قوله: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» فإذا كانت لفظة مولى مستعملة بمعنى أولى على وجه الحقيقة كما قال الله سبحانه: {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ