كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام ابن أبي الحديد في تواتر تظلم أمير المؤمنين من قريش]

صفحة 414 - الجزء 3

  وقد ذكرنا جهل الفقيه في أمره له بالهجرة، لأن الأقطار قد طبقتها الردة، ومن بقي على الإسلام كان قد دخل في طاعة أبي بكر، فإلى أي جهة يهاجر.

  ولأنا لو جهلنا أحوال الجهات في تلك الحال؛ لعلمنا أنه المصيب، ومن عتب عليه الخاطئ؛ لأدلة العصمة.

  وأما وجوب الهجرة، فهو جهل من الفقيه بحقيقة دار الإسلام ودار الحرب؛ لأن دار الحرب هي التي تظهر فيها خصلة من خصال الكفر، بحيث لا يمكنه النكير، ولا يمكنه السكنى بينهم؛ إلا بإظهارها، أو يكون من أهلها على ذمة وجوار، ودار الإسلام هي التي يظهر فيها الإسلام، بحيث لا يقع النكير، ولا يمكن السكنى لمن ينكره إلا بذمة وجوار، اعتباراً بالمدينة ومكة في أول الإسلام، فإن مكة كانت دار كفر، والمدينة دار إسلام، لما كانت هذه حالهما قبل الفتح.

  ومعلوم أنا لا نقطع على كون معاصيهم في التقدم على علي # فسقاً، فكيف بالكفر، لولا جهل الفقيه بما قدمنا.


= (خطب أبو بكر فقام أُبي بن كعب يوم الجمعة فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار؛ تناسيتم، أم نسيتم، أم بدلتم، أم غيرتم، ألستم تعلمون أن رسول الله ÷ قال لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبيء بعدي؟!».

أو لستم تعلمون أن رسول الله ÷ قال: «أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدموهم ولا تتقدموهم، وأمِّروهم ولا تأمَّروا عليهم؟!» وقال: «أهل بيتي منار الهدى والدَّالون على الله». وقال لعلي: «أنت الهادي لمن ضل، والمحيي لسنتي، والمعلم لأمتي، والقائم بحجتي، وخير من أخلف بعدي، وسيد أهل بيتي» وساق إلى قوله في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}⁣[هود: ١١٩]، وهم آل محمد ÷ وشيعتهم سمعت رسول الله ÷ يقول: «يا علي أنت وشيعتك على الفطرة والناس منها براء»، فهلا قبلتم من نبيكم وهو ينهاكم عن صدكم عن خلاف وصيَّه وأمينه، ووزيره، وأخيه، ووليه، أعلمكم علماً وأقدمكم إسلاماً، والخبر طويل آخره: فقالت الأنصار: اقعد يا أبي قد أديت ما سمعت ووفيت بعهدك).

روى عبدالرزاق بن همام عن قنبر مولى علي # قال: قال علي #: «إن الله ألقى ولايتنا على الشجر، فما كان منه حلواً طيباً فهو ممَّا قبل ولايتنا، وما كان متغيراً فهو ممَّا أنكر ولايتنا». ذكره في (الكامل المنير).