كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الدليل على ثواب المطيع وعقاب العاصي]

صفحة 52 - الجزء 4

  فالجواب [المنصور بالله]: أن قوله هذا كذب علينا، فإنا لا نوجب على الله تعالى فعلاً، ولا يستحق سبحانه منا ذماً، تعالى الله عن ذلك، وإنما نقول إن العقل والكتاب يقضيان بوجوب إثابة المستحق للثواب، من حيث كلفه الله سبحانه الشاق، وتكليف الشاق جار مجرى إنزاله، فإذا كان إنزاله قبيحاً لا لنفع يَجْبُره ما لم يكن مستحقاً، فكذلك إلزامه، وحكمته وعدله وغناؤه يوجب ذلك عليه دوننا، كما يقال في الكريم إنه يرى إطعام الضيف عليه فرضاً واجباً لكرمه ومروءته.

  فلِمَ جعل الفقيه الإيجاب منا، وافترى ذلك علينا، وكيف علق استحقاق الذم بمن يستحيل عنده عليه فعل القبيح، بمعنى أنه لا يصح أن يوجد منه قبيح أصلاً، وإن كان ذلك يبطل عليه قوله: إن القبائح الواقعة في العالم منه تعالى، فإن رجع إلى أنه لا يتفرد بها وإنما يوجدها وتكون كسباً؛ فقد بينا له بطلان الكسب.

  وأما العقاب فلا نقول إنه يجب عليه عقلاً، فإنه حق له تعالى، واستيفاء حقه لا يجب عليه، وإن كان سبحانه قد أخبر أنه يعاقب، وخبره صدق؛ لأن الكذب قبيح، وهو تعالى لا يفعل القبيح أصلاً، ونحن بينا المسألة على أن القبيح يقبح لوجه يقع عليه، فمن وقع منه على ذلك الوجه قبح منه فعله، خالقاً كان أو مخلوقاً، وقد بينا ذلك مبرهناً فيما تقدم، وبينا وجه الجمع بين الشاهد والغائب في الوجوه الصحيحة دون الفاسدة، وذكرنا أمثلة الجميع، ولكن أكثر الناس لا يشعرون.

  ثم قال [أي: الفقيه]: وأما قوله [أي: القرشي]: وهو أيضاً مخالف لما تقدم من تهجينه من أن ابن نوح لم ينفعه الجبل حين طلب الالتجاء إليه، قال: فكيف بمن يعتقد أن فعله الذي يحدثه بزعمه ينفعه - فلقد كذب عليَّ هذا الرجل في هذا النقل، وخالف الدين والعقل، وإنما قلت: ولد نوح لما ظن أن مخلوقاً لله ينجيه دون الله، ويعصمه من عذاب الله، كان من الكافرين، فكيف بمن اعتقد أنه يحدث خلقاً، ويوجد بنفسه مخلوقاً ينجيه من عذاب الله، كيف يكون حاله، وكيف يحيق به من اعتقاده وباله، ولم أقل إن العمل الصالح لا ينتفع به، وإن العمل السيئ لا