كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الدليل على ثواب المطيع وعقاب العاصي]

صفحة 53 - الجزء 4

  يستضر به، وإنما الكلام في الاعتقاد لا في الأعمال الصالحات، وغيرها من العباد.

  فالجواب [المنصور بالله]: أنه ذهب هاهنا في احتجاجه لقصة نوح # وولده، غير ما ذكر في كتابه الأول، ومع ذلك فإنه لا يعصمه عما لزمه؛ لأنه قال في عذره: لما ظن أن مخلوقاً لله ينجيه دون الله، ويعصمه من عذاب الله، كان من الكافرين، فكيف بمن اعتقد أنه يحدث خلقاً، ويعصمه من عذاب الله.

  فالجواب [المنصور بالله]: أن هذا مثل الأول وزيادة، فإنه قاس فعل العباد على الجبال الشاهقة، وهذا أمر لا يعقل، والثاني: أنه قصد أن الإيمان لا ينفع ولا يضر، وجعل من قال بذلك أشد كفراً من ابن نوح، وقد قال تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}⁣[المائدة: ١١٩]، وغير ذلك مما فيه ذكر نفع الأفعال وضرها، كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٥١}⁣[الأنفال]، وقوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}⁣[النساء: ١٢٣]، وهو ظاهر في القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وعليه العقلاء.

  وتعليق الضرر والنفع بالأعمال المراد به أنها التي لأجلها تحصل للفاعل المنافع والمضار لما فعل هذه الأفعال، وهو جار مجرى تعليق المسبب بسببه، وإن كان الحكم عائداً إلى فاعل السبب بلا شك، لكن اعتمد الفقيه على المكابرة، ثم أتبعها بالأذية بالتكذيب، والسب القبيح، وهذه خصلة ما عرفت عن أحد من العلماء؛ بل عن أهل الأدب من سائر الناس.

  وأما قوله [أي: الفقيه]: وإنما الكلام في الاعتقاد لا في الأعمال الصالحة وغيرها من العباد.

  فالجواب [المنصور بالله]: أن الاعتقاد هو من جملة الأعمال، فكيف يفرق بينه وبين سائر الأعمال، فصالح الاعتقادات بعضها حسن وواجب، وبعضها حسن غير واجب، وفاسدها قبيح وباطل؛ كما أن الأفعال تنقسم إلى ذلك أيضاً.