كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[أسباب صلح الحسن (ع) ومعاوية، وما حدث بعده]

صفحة 174 - الجزء 4

  عامر، وعبدالرحمن بن سلمة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد، وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها.

  ثم كتب الحسن # إلى قيس بن سعد وهو على مقدمته في اثني عشر ألفاً يأمره بالدخول في طاعة معاوية.

  فلو أراد الحسن بن علي @ القتال بعد تفرق الناس عنه كما زعمت لأمكنه ذلك، وكان يأمر إلى قيس بن سعد بذلك مع بقاء الجيش الذين معه، وكان الناس يثوبون إليه ويرجعون عند انتهاضه لذلك، لكنه لم يخرج للقتال أولاً ولا قصد لذلك.

  ويؤيد ذلك الخبر المشهور الذي ذكره النبي ÷ في مدح الحسن # بفعله هذا، وتصويب ذلك له، والثناء عليه به قوله ÷: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين» فكان كما قال النبي ÷.

  ولو لم يرد الحسن بن علي @ تسليم الأمر إلى معاوية لكان له في ذلك مندوحة، وللانصراف عنه وجه، ولم يكن معاوية بالذي يعرض له بشيء، لأن مقصود معاوية إنما هو السلامة من الحسن، وبقاء أمره على ما هو عليه.

  فلو انصرف عنه الحسن # ولم يسلم الأمر إليه، ولا أمر الناس بمبايعته لكان معاوية يرضى بذلك؛ لأنه كان يوطن نفسه على الحرب، وقتل النفوس، وانتهاك المحارم، ولا يعلم إلى ما يصير إليه أمره من ظفر أو غيره؛ فإذا حصلت له السلامة عفواً وبقاء حاله على ما هو عليه عد ذلك خطراً جسيماً، وخيراً عميماً.

  وليس ذلك كصلح النبي ÷ قريشاً عام الحديبية، فإن النبي ÷ إنما خرج هو وأصحابه للعمرة لا للحرب، ولم يستعدوا لذلك عدة، ولا أخذوا لذلك أهبة، وكانوا مع ذلك قلة ألفاً وأربعمائة، وكانت قريش قد علمت بقدومهم، فجمعوا لهم الجموع، واستعدوا للحرب.