كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[أسباب صلح الحسن (ع) ومعاوية، وما حدث بعده]

صفحة 175 - الجزء 4

  مع أن أصحاب النبي ÷ قد أرادوا قتال قريش، فمنعهم النبي ÷ لا تخوفاً على هلاكهم واستئصالهم؛ لأن الله قد وعد نبيه ÷ بإظهار دينه على جميع الأديان، ولو كره المشركون، وأنه ينصره ويجعل له الظفر على من عاداه، لكن فعل النبي ÷ ذلك لما أعلمه الله ø ما في ذلك من الصلاح في المآل، وتكثير الإسلام في مدة المهادنة؛ حتى روي أن النبي ÷ ما دعا أحداً في تلك المدة إلى الإسلام إلا أجاب، وكان ذلك سبباً لفتح مكة؛ حتى أجمع الصحابة والتابعون أن الله لم يرد بقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ١}⁣[الفتح]، فتح مكة، وأنه يوم الحديبية.

  قالوا: ولو لم يكن فيها إلا أن الله ø أنزل على نبيه ÷: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}⁣[الفتح: ١٨]، ثم لم ينزل بعد ذلك سخط على من رضي عنه.

  وقصة المبايعة يوم الحديبية مشهورة، وأن أصلها من أجل عثمان لما بعثه النبي ÷ إلى مكة، فأخبر أنه قد قتل، بايع أصحابه على أنهم لا يفرون.

  وروى محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده قال: لم يكن في الإسلام فتح أعظم من يوم الحديبية، كانت الحرب قد حجزت بين الناس فلا يتكلم أحد، فلما وقع الصلح في الحديبية وضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس فتلاقوا، فلم يكلم أحد بعقد الإسلام إلا دخل فيه، فلقد دخل في تلك السنين مثلما كان قبل ذلك أو أكثر.

  وكذا قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}⁣[الحديد: ١٠]، يريد يوم الحديبية، وليس قتال النبي ÷ للمشركين كقتال المسلمين بعضهم لبعض؛ لأن الكفار لو قدروا على المسلمين لاستأصلوهم، واستباحوا بيضتهم، وذبحوا أبناءهم، واستحيوا نساءهم، ولا سبيل إلى الموادعة بعد الظفر بهم في حال من الفريقين جميعاً.