[أسباب صلح الحسن (ع) ومعاوية، وما حدث بعده]
  وليس كذلك قتال الحسن بن علي @ لمعاوية، بل لو التقى الزحفان، والتحمت الفئتان، ووقع الضرب والطعن، ثم أرسل أحد الفريقين صاحبه بالموادعة لوادعه، أو لو انصرف أحد الفريقين عن الآخر لما تبعه الآخر؛ لأن ذلك حكم المسلمين.
  على أنا قد تأملنا صلح النبي ÷ لقريش عام الحديبية، فلم نجد فيه أشد من أن النبي ÷ صالحهم على أنه من أتاه منهم مسلماً فإنه يرده إليهم، وليس في هذا إلا أحد أمرين: إما أن يعذب في الله ø ويؤذى فيصبر فيكون ذلك زيادة في درجته، وعلواً في رفعته، وتكفيراً لسيئته، وسلوكاً لطريق جعلها الله تعالى بفضله سبيل الأولياء إلى جنته.
  أو يشتد عليه العذاب ولا يصبر فينطق بكلمة الكفر مكرهاً، فيكون معذوراً، فقد عذر الله من نطق بكلمة الكفر مكرهاً مع اعتقاد التوحيد بقلبه لقوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ١٠٦}[النحل].
  أو ينفلت منهم ويمتنع كما فعل أبو جندل بصير وأصحابه، حتى بعثت قريش إلى النبي ÷ تناشده الله والرحم لما ضمهم إليه، فمن جاءه مسلماً فهو آمن؛ فانظر كيف أحمد الله العاقبة في هذا، حتى صارت الكفار يسألون النبي ÷ إمساك من أتاه مسلماً ولا يرده عليهم.
  ثم لما عم هذا الصلح رد من جاء إلى النبي ÷ مسلماً من امرأة أو رجل، وكان في رد المرأة إليهم ما لا يخفى؛ أنزل الله ø عقيب هذا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة: ١٠]، فمنع الله ø من رد النساء المؤمنات إلى الكفار، لما علم ما فيه من الفضيحة والعار.