[جواب الإمام # عما لبس به الفقيه ودحض شبهه]
  أهل العلم لكونه من المعتزلة، مقته أهل العلم من أهل مقالته وغيرهم، لعلمهم أن المعتزلة أهل التحقيق والتدقيق، وإن خالفونا في بعض قولنا بما يقولون في الإمامة، لم يمنعنا ذلك من قول الحق فيهم، وغرض الذي نذكر متابعة العلماء للأئمة من ذرية النبي ÷ إنما نذكر علماء عصرهم، وأنه أجمع على الواحد منهم المخالف والموالف من أهل العلم؛ فافهم المراد ولا تعثر في وجه الإيراد.
  وأما قولك: إنك لا تعتقد إمامة من قام عليه هؤلاء - فمن إحدى العجائب، والحمد لله، كيف تمتنع من اعتقاد إمامة أبي العباس، وأبي جعفر، ومن يتلوهما من آل عباس، وما مر بهم زمان إلا وللأول مزيد في الفضل على الآخر، وإن كان قد ركب من المعاصي ما يسقط العدالة، ولكن فله في خلال ذلك محاسن وحشمة من ظواهر القبائح إلا إلى الخواص.
  بخلاف ما عليه المتأخر، الذي قال هو يعتقد إمامته، ولكن هذا من تمام الخارقة؛ لأنها خرقت العادة في كل شيء، والإجماع أتت عليه من علي(١) لأن المسلمين الذين يُعْتَدُّ بقولهم في الوفاق والخلاف أجمعوا على تعظيم أهل هذا النصاب الشريف النبوي، وكان من دين الفقيه في خارقته السب والأذى لغير موجب.
  وأما قوله: إنه لا يسلم ظهور الخمر والمنكرات في بغداد - فلم نطلب في صحة ذلك تسليم الفقيه فيسد باب الصحة، وهب أنه قال: لا نسلم أن مكة في الدنيا ما كان يقول له العقلاء، ويكفيه في الجواب عن ذلك استخفاف من سمع بإنكاره لذلك من أهل مقالته ممن يعرف بغداد أو يستخبر من يعرفها:
  وَهَبْنِيْ قُلْتُ هذا الصُّبْحُ ليلٌ ... أَيَعْمَى العَالَمُونَ عن الضِّيَاء
  وإنما نطلب تنزيه الهجرة بعد صحة أمر المهاجر إليه، فالرجل القاعد على سرير الملك ببغداد لا ينكر شربها طفلاً ولا ناشئاً ولا كهلاً، ولا أنكرها أحد ممن
(١) على نمط: حطه السيل من علي؛ تمت.