[بحث في قراءة ابن مسعود لقوله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال ...}]
= في قضية الأسود العنسي باليمن، فإنه ضل به كثير من المسلمين، وارتدوا عن الإسلام وادعوا له النبوة، ويكون المراد بقوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، القوم الذين كاتبهم رسول الله ÷ وأغراهم بقتله، وهم فيروز الديلمي وأصحابه، والقصة مشهورة. مع أن الحكم بردة مانعي الزكاة غير مسلم؛ لأن المرتد من أنكر ما علم من أركان الإسلام ضرورة والمانع للزكاة إنما تأول قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ... إلخ}[التوبة: ١٠٣]، وقال: قد مات من يطهرنا، وتكون صلاته لنا سكناً؛ فكيف يحكم بردته على التحقيق، وهو متأول؟ فإطلاق الصحابة اسم المرتد إنما هو تجوز منهم لما كبر عندهم.
ولا يقال: إن أبا بكر حارب مسيلمة وطليحة، وقد ارتد من أجلهما كثير من العرب فيكونوا المرادين بقوله: {مَنْ يَرْتَدَّ} ويكون أبو بكر وأصحابه المرادين بقوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ... إلخ}.
لأنه يقال: لا يتعين ذلك فإن رسول الله ÷ قد كان جاهدهم بالكتب والرسل، وقد أنفذ لقتلهما جماعة من المسلمين، وأمرهم بالفتك بهما، واستنفر عليهما قبائل من العرب، كل ذلك مذكور في السير والتواريخ.
فيجوز أن يكون المراد [بقوله]: {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} هو من بعثه النبي ÷ من المسلمين ويكون ذلك جهاداً، وإن لم يحصل الغرض كغزوة الطائف. مع أن قوله تعالى في الآية: {يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ إلى قوله يُجَاهِدُونَ}[المائدة: ٥٤]، ليس بصريح في أنه لمحاربتهم لردتهم؛ لأنه يحتمل ذلك، ويحتمل أن المراد: من يترك الجهاد مع رسول الله ÷ ويعرض عن نصرته فيكون كالمرتد، فسوف يأتي الله بمن يغني عنه فيكون كقوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ٣٨}[محمد]، ففيه تسلية للنبي ÷ ومخلصي صحابته وأتباعه، ومع هذا فلا يكون دليلاً إذ لا استدلال بالمحتمل.
ويحتمل أن المراد بالمرتد الناكثون والقاسطون والمارقون، والقوم علي وأصحابه، ويكون إطلاق الردة على نحو من نكث حقيقة، وإن اختلفت المعاملة كاختلافها في أصناف الكفار، أو يكون نَزَّلَ جرمهم منزلة الردة، ويعضده: ما رواه ابن أبي الحديد في طلحة والزبير من قول علي: (فكان نكثهما كردتهما)، وقوله ÷: «أصحابي أصحابي فيقال: إنهم ارتدوا على أدبارهم ... إلخ»، وكذا الأخبار القاضية بكفر من نازع علياً أو بغضه أو تخلف عنه أو خرج عنه؛ إذ كان باب حطة، وقد مرت الأخبار والحمدلله رب العالمين.
[بحث في قراءة ابن مسعود لقوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ..}]
قرأ عبدالله بن مسعود: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} - بعلي - [الأحزاب: ٢٥]، روى ذلك الحاكم الحسكاني من ثلاث طرق، وفي بعضها قال الراوي رأيته مكتوباً في مصحفه، تمت. شواهد التنزيل [شواهد التنزيل (٢/ ٣) وكفاية الكنجي (ص ٢٠٤)]. وكذا رواه الكنجي عن عبدالله بسياق ابن عساكر، وقال ذكره غير واحد من علماء التفسير، تمت من مناقبه.