كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام لأمير المؤمنين (ع) في أنه أولى بالأمر وشكايته ممن تقدمه]

صفحة 415 - الجزء 4


= إشفاقاً وحيطة على الإسلام، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش لو وليها ... الخ). رواه أحمد بن طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً، وذكره ابن أبي الحديد.

[كلام لأمير المؤمنين (ع) في أنه أولى بالأمر وشكايته ممن تقدمه]

روى أبو الحسن على بن محمد المدايني عن عبد اللَّه بن جنادة قال: (قدمت من الحجاز أريد العراق في أول إمارة علي # فمررت بمكة فاعتمرت، ثم قدمت المدينة فدخلت مسجد رسول اللَّه ÷ إذ نودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وخرج علي متقلداً سيفه فشخصت الأبصار نحوه، فحمد اللَّه وصلى على رسوله ÷ ثم قال: أما بعد فإنه لما قبض اللَّه نبيه ÷ قلنا: نحن أهله وورثته، وعترته، وأولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا؛ فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الإمرة لغيرنا، وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور، وجزعت النفوس. وأيم اللَّه لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه. فَوَلِيَ الأمر ولاة لم يألوا الناس خيراً، ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتي، فبايعتموني على شنآن مني لأمركم، وفراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم.

وبايعني هذان الرجلان في أول من بايع تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا، ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، اللهم فخذهما بما عملا أخذة واحدة رابية، ولا تنعش لهما صرعة، ولا تقل لهما عثرة، ولا تمهلهما فواقاً؛ فإنهما يطلبان حقاً تركاه، ودماً سفكاه، اللهم إني أقتضيك وعدك فإنك قلت وقولك الحق: {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}⁣[الحج: ٦٠]، اللهم فأنجز لي موعدك، ولا تكلني إلى نفسي إنك على كل شيء قدير).

وروى الكلبي قال: لما أراد علي # المسير إلى البصرة قام فخطب الناس فقال بعد أن حمد اللَّه، وصلى على رسوله ÷: (إن الله لما قبض نبيه ÷ استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثوا عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب [الوطب: الزّق الذي يكون فيه السمن واللبن وهو جلد الجذع فما فوق وجمعه أوطاب وَوِطاب. النهاية (٥/ ٢٠٢)] يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلق [الخَلَقَ البلى، يقال: خلق الثوب إذا بلي. مختار الصحاح (ص ٧٨)]، فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً، ثم انتقلوا إلى دار الجزاء، والله ولي تمحيص سيئاتهم.

إلى قوله: فما بال طلحة والزبير؟ وليسا من هذا الأمر بسبيل لم يصبرا عليّ حولاً ولاأشهراً حتى وثبا ومرقا، ونازعاني أمراً لم يجعل اللَّه لهما إليه سبيلاً، بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين، يرتضعان أُمّاً قد فطمت، ويحييان بدعة قد أميتت، أدم عثمان زَعَمَا؟! والله ما التبعة إلا عندهم وفيهم، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم، وأنا راضٍ بحجة اللَّه عليهم، وعلمه فيهم، فإن فآءا وأنابا فحظهما أحرزا، =