كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[شرح ابن أبي الحديد لأحوال أمير المؤمنين مع رعيته]

صفحة 545 - الجزء 4


= المعجزة لصعوبة الأمر وتعذره؛ فإن أصحابه فرقتان: إحداهما تذهب إلى الحكم بظلم قتلة عثمان، وتتولى عثمان وتتبرأ من أعدائه، والأخرى جمهور أهل الحرب والغناء والبأس، يعتقدون أن عثمان قُتِل لأحداث أوجبت عليه القتل، وبعضهم يكفره.

وكل فرقة تزعم أن علياً موافق لها في رأيها، وتطالبه في كل وقت بأن يبدي مذهبه في عثمان، ويجيب بالواضح في أمره، وكان يعلم أنه متى ظهر لإحدى الفرقتين موافقته لها باينته الأخرى وأسلمته، وخذلته، فاحتاج إلى مداراتهم، يُكَلِّم كلاً بكلام محتمل، تارة يقول: (قتله اللَّه وأنا معه)، وتارة يقول: (ما أمرت، ولا نهيت)، وقوله: (لو أمرت به لكنت قاتلاً، ولو نهيت عنه لكنت ناصراً الخ). تمت شرح نهج ببعض تصرف واختصار، والحمد لله.

قال علي #: (لو استوت قدماي من هذه المداحض لغيرت أشياء). تمت نهج بلاغة.

قال شارحه: لسنا نشك أنه كان يذهب في الأحكام والقضايا إلى أشياء يخالف فيها أقوال الصحابة، وإنما كان يمنعه من تغيير أحكام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة ... إلى آخر كلامه تمت.

روى أبو العباس الحسني | بإسناده إلى علي # قال: (كان عثمان ذات يوم يخطب فقام أبو ذر فتعلق بحلقة باب المسجد، وقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرف فأنا أبو ذر سمعت رسول اللَّه ÷ يقول: «أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى وضل» فقال عثمان: كذبت يا أبا ذر. فقال علي # لعثمان: هلا قلت كما قال العبد الصالح: {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}⁣[غافر: ٢٨]، فلم يتم علي # ذلك حتى قال عثمان له: بفيك التراب. فقال علي #: التراب في فم عثمان، وقام علي # يجر إزاره. فعند ذلك سَيَّر عثمان أبا ذر ¥ إلى بيت المقدس، فكتب إليه معاوية: إن هذا هاهنا يحدث بأحاديث يوشك أن يهيج عليك هيجاً، وقال: والله لأنفينه إلى مكان لايجد فيه أحداً يحدثه، فسيره عند ذلك إلى الربذة) انتهى.

وقد روى الواقدي قول عثمان في أبي ذر ¥: أشيروا عليَّ في هذا الكذاب، فقال علي #: أشير عليك بما أشار به مؤمن آل فرعون: {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ... إلخ}، فأغلظ عثمان لعلي ورد عليه ... إلخ، فقال [أي: أمير المؤمنين #]: النبي ÷ يقول: «ما أقلت الغبراء وأضلت الخضراء بأصدق لهجة من أبي ذر» وعثمان يقول: كذاب؛ رداً على النبي ÷.

وروى نصر بن مزاحم بإسناده إلى جندب بن عبد اللَّه قال: قام عمار يوم صفين فقال: (انهضوا معي عباد اللَّه إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ... إلى قوله: وعلموا أن صاحب الحق لو وليهم لَحَالَ بينهم وبين ما يأكلون الخ).

=