كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[عودة إلى الحديث عن بيعة أبي بكر ودعوى الإجماع]

صفحة 583 - الجزء 4

  بن عازب، وأبي بن كعب، وعمار، والمقداد وهؤلاء كما ترى من أجلة الصحابة وفضلائهم، وكبارهم وأعيانهم، كما قدمنا ذكرهم في غير موضع، ولو وزنت بهم من عقد لأبي بكر الخلافة لعرفت فرقاً لا يجهله إلا أعمى البصيرة.

  فإن أعاد بعض ما تقدم من أن هؤلاء وإن أنكروا في أول الأمر فقد سكتوا، وسكوتهم دلالة على الرضا؛ لأن إنكار المنكر واجب، أعدنا له ما قدمنا من الأجوبة: أن سكوتهم إنما يدل على الرضا متى لم يكن هنالك سبب سوى الرضا، وقد بينا الأسباب الداعية على ذلك مما لا سبيل للمنصف إلى دفعه، فقد وضح بطلان دعوى الإجماع على إمامة أبي بكر، وبذلك يبطل ما ينبني عليه من إمامة من بعده على ما سيجيء إن شاء الله.

  والجواب [أي: الفقيه] وبالله التوفيق: أنا قد بينا فضائح هذا الرجل فيما زعم من أحاديثه، وعرفناه اختلاطها وتناقضها وانقطاعها، وأنها أحاديث مطرفية، وأنه لا يروي مثلها إلا من خلع العذار، وأرخى العنان، ولم يبال بوعد الله ولا وعيده.

  وروينا من الأحاديث الصحيحة المسندة المتصلة ما يبطل ما ذهب إليه واعتمد عليه، وأما إسناده الذي زعمه فيدل على أنه لا خبرة له بالأحاديث، ولا معرفة له بالأسانيد.

  ثم قال بعد هذا: وهو من أخذنا عنه جميع ذلك أو أكثره، وهذا غير مقبول عند أهل الحديث، ولا يعتمد عليه حتى يقول الراوي: حدثني، أو أخبرني فلان، أو ما يقوم مقامه، فأما أن يأتي بشيء ثم يقول: أخذنا ذلك أو أكثره عن فلان فليس بمقبول، وليس بعشك فادرجي.

  وأما ما قال بعد ذلك: فإن تجاسرت وقلت: إنما خالف في ذلك الواحد والاثنان ... إلى آخر هذيانه فقد أبطلنا قوله هذا بقوله، وقد روي أنه لم يتخلف عن بيعة أبي بكر إلا علي والزبير، وقد استدللنا على بيعتهما له فحصل الإجماع، وإنما هذا الرجل يخبط خبط العشوى، ويستبدل بضوء النهار دجية الظلماء.