[كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين (ع) في أمر الخلفاء وجوابه عليه]
  وذكرتَ إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبغي عليهم؛ فأما البغي فمعاذ الله أن يكون، وأما الكراهة لهم فوالله ما أعتذر إلى الناس من ذلك.
  وذكرتَ بغيي على عثمان وقطعي رحمه، فقد عمل عثمان ما علمتَ، وعمل الناس به ما قد بلغك، وقد علمت أني كنت من أمره في عزلة إلا أن تجني فتجنَّ ما شئتَ.
  وأما ذكرك لقتلة عثمان وما سألت من دفعهم إليك فإني نظرت في هذا الأمر، وضربت أنفه وعينه فلم يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك، ولئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك، ولا يكلفونك تطلبهم في سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر، وقد كان أبوك أبو سفيان أتاني حين قبض رسول الله ÷ فقال: ابسط يدك أبايعك فأنت أحق الناس بهذا الأمر، فكرهت ذلك عليه مخافة الفرقة بين المسلمين لقرب عهد الناس بالكفر؛ فأبوك كان أعلم بحقي منك، فإن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك، وإلا فإني أستعين الله عليك والسلام.
  فهذا كما ترى رأي علي # في أمر الشيخين وأمر عثمان، وهو رأينا، لأنه # أبونا وإمامنا، وبعلومه زال أوامنا(١)، وقد كان لأمر القوم كارهاً، ولإمرتهم قالياً، وعلم من عاقبة أمرها ما جهلوا، وأنها تكون أصل الفتنة وباب المحنة، لانفصال الأمر عن معدنه، وزواله عن مكانه من أهل بيت الذكر والرحمة.
  ولقد قال # يوم الشورى ما رويناه عنه بالإسناد إليه: لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق، وصلة رحم، وعائدة كرم، فاسمعوا قولي، وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضى فيها السيوف، وتخان فيها العهود، حتى يكون بعضهم أئمة لأهل الضلالة، وشيعة لأهل الجهالة.
(١) قوله أوامنا: أوام كغُراب: العطش أو حره، والدخان، ودوار الرأس، والأظهر هو الأول. انتهى من القاموس.