كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم، فَمُنِيَ الناس - لعمر الله - بخبط وشماس، وتلوّن واعتراض⁣^(⁣١).

  فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر، لكني أسففت لما أسفّوا، وطرت لما طاروا، فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أمية يخضمون مال الله تعالى خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به مطيته، فما راعني إلا والناس إليّ كعرف الضبع، ينثالون عليّ من كل وجهة حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم⁣^(⁣٢)، يقولون: البيعة البيعة، فلما نهضت بالأمر نكث طائفة، ومرقت أخرى، وفسق آخرون؛ كأنهم لم

(١) في حوزة خشناء: أي في جهة صعبة المرام. والكلم: الجرح. ويخشن مسّها: تؤذي وتضر. ويكثر العثار والاعتذار منها: يقول هي كطريق كثيرة الحجارة، لا يزال الماشي فيها عاثراً. والصعبة من النوق: ما لم تركب ولم تُرَضْ، إن أشنق لها راكبها بالزمام خرم أنفها، وإن أسلس زمامها تقحم في المهالك. فمني الناس: أي بلي الناس. والخبط: السير على غير جادة. والشماس: النفار. والتلوّن: التبدل. والاعتراض: السير لا على خط مستقيم.

(٢) قوله: أسففت: أسف الطائر إذا دنا من الأرض في طيرانه. فصغى رجل منهم لضغنه: صغى صغياً، وصغا صغواً: مال، والضغن: الحقد، يشير إلى سعد. ولصهره: إلى عبد الرحمن. وهن هن: كناية عن أمور لا يصرح بها يكره ذكرها. وثالث القوم: يشير إلى عثمان. نافجاً حضنيه: رافعاً ما بين إبطه وكشحه، يقال للمتكبر، ولمن امتلأ بطنه طعاماً. والنثيل: الروث. والمعتلف: موضع العلف. والخضم: الأكل مطلقاً، أو بأقصى الأضراس أو ملأ الفم بالمأكول، أو خاص بالرطب، والقضم: الأكل بأطراف الأسنان، أخف من الخضم. والنِبتة بكسر النون: كالنبات. وانتكث فتله: انتقض، وأجهز عليه عمله ثم قتله. وكبت به مطيته: كبى الجواد إذا سقط لوجهه. والبِطنة بالكسر: الإسراف في الشبع. وعرف الضَّبُع: ما كثر على عنقها من الشعر، يضرب به المثل في الكثرة والازدحام. وينثالون: يتتابعون مزدحمين. وشق عطفاي: العطفان الجانبان من المنكب إلى الورك، ويروى عطافي، والعطاف الرداء، وهو أشبه بالحال. وربيضة الغنم: أي كالقطعة الرابضة فيها، يصف شدة ازدحامهم.