كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بعض من أعمال عمر بن عبدالعزيز]

صفحة 489 - الجزء 1

  ولما كتب إليه غيلان الدمشقي يعظه أمر إليه: أن ائت إليّ فأعني على أمري؛ فكتب إليه: إن وليتني رد المظالم إلى أهلها، وبيع أموال الخزائن وتفريقها في مستحقها أعنتك وإلا فلا، فقال: أفعل من ذلك ما شئت؛ فلما أتى بلغ من ذلك ما أراد، فوجد جوارب بعضها قد فسد فأمر ببيعها فبلغت ثلاثين ألفاً فقال: من يلومني في هؤلاء يأكل هذه والناس يموتون جوعاً.

  وكان يصيح على الأموال عند تفريقها: هلمّ إلى أموال الخونة، هلمّ إلى أموال الظلمة، هلمّ إلى أموال أُخذت من غير حلّها ومُنعت من مستحقها؛ فسمعه هشام، فقال: يسب آبائي والله لأقتلنّه - في قصة طويلة - وليس الغرض الاستقصاء، وإنما يعرض ما لا يكره ذكره لقلّة تعرّيه من الفائدة، وكان عمر يعطي الفقراء ويحرم الشعراء، وقال فيه بعض الشعراء:

  هذي الأرامل قد قَضَّيتَ حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

  وأحسب الشاعر جريراً، ولا يشك أحد أن غيلان كان من كبار المعتزلة القائلين بالعدل والتوحيد، النافين للجبر والقدر والتشبيه؛ فليت شعري أي الرجلين أفضل عند فقيه الخارقة، الذي ولّى غيلان وهو عمر بن عبد العزيز أو الذي قتله وقتل صاحبه صالح المري وهو هشام بن عبد الملك اللعين؟! فقل ما شئت ليقل الصالحون من المسلمين عموماً ما شاءوا.

  ولا نعلم أحداً من المسلمين لا يقضي بفضل عمر بن عبد العزيز ¦ على من تقدمه من قومه ومن تأخر إلا قول بعض من يقول من المعتزلة إن يزيد الملقب بالناقص كان أفضل منه، وإنما ذكرنا الإجماع ممن يرى بإمامتهم دون من يخالف فيها.

  وروى القضاعي في تاريخه أن عمر بن الخطاب كان يقول: إن من ولدي رجلاً بوجهه شين يملأ الأرض عدلاً، فكان عمر بن عبد العزيز؛ لأن أمه من