كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام المدائني في: تنكيل معاوية بشيعة علي (ع)]

صفحة 506 - الجزء 1


= فأدنوا مجلسهم، وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إليّ بكل مايروي كل رجل منهم واسمه، واسم أبيه، واسم عشيرته؛ ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لِمَا كان يبعث إليهم معاوية من الصِلاَت، والكسا، والجبا، والقطايع، ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقَرَّبه وشَفَّعه.

فلبثوا بذلك حيناً ثم كتب إلى عماله: أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، وفي كل وجهة وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في فضل أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إليَّ وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله. فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لاحقيقة لها، وجَدَّ الناس في رواية مايجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك وألقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم، وخدمهم وحشمهم.

فلبثوا بذلك ماشاء الله، ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطائه. وشفع ذلك نسخة أخرى: من اتهمتموه من هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولاسيما بالكوفة، حتى إن الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، ويلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولايحدثه حتى يأخذ منه الأيمان المغلظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة. وكان أعظم الناس بلية في ذلك القراء المراءون والمتصنعون الذين يظهرون الخشوع والنسك ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال، والضياع، والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار إلى أيدي الربانيين، الذين لايستحلون الكذب، فنقلوها ورووها، وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها، ولا تدينوا بها؛ فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي فازدادت الفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا خائف على دمه أو طريد في الأرض، ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين وولي عبد الملك بن مروان على الشيعة وولّى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي كرم الله وجهه وموالاة أعدائه، وموالاة من يدعي قوم من الناس أنهم أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم، وسوابقهم، ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي، والطعن فيه، والشنآن له، حتى أن إنساناً وقف للحجاج، ويقال إنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب، فصاح به: أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني علياً وإني فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج، وقال: للطف ماتوسلت به قد وليتك موضع كذا، انتهى كلام المدايني في كتاب الأحداث.

=