[ذكر أيام المهدي العباسي ومن كان بإزائه من أهل البيت (ع)]
  الشفاء، فقال عيسى بن زيد: فأنا أسأله عن هذا الذي اختلفنا فيه، وسأل عن موضعه فأخبرته فقام إليه، فمرّ في طريقه بجنَّاب بن بسطاس العرزمي فسلم عليه ومضى إلى سفيان، فسأله عن المسألة فأبى سفيان أن يجيبه خوفاً على نفسه من الجواب؛ لأنه كان فيه شيء على السلطان؛ فقال له الحسن بن صالح: إنه عيسى بن زيد، فتنبّه سفيان واستوفز، ثم نظر إلى عيسى كالمستثبت له، فتقدم إليه، وقال: نعم أنا عيسى بن زيد، فقال له: أحتاج إلى من يعرفك؛ لأن الغيبة كانت قد نكّرت حاله، فقال: أجيئك بجنّاب بن بسطاس، قال: افعل؛ فأتى جناب، فقال: نعم يا عبدالله هذا عيسى بن زيد، فبكى سفيان فأكثر البكاء وقام من مجلسه فأجلسه فيه، وجلس بين يديه، فأجابه عن المسألة، ثم ودّعه وانصرف.
  وكان سفيان يقول: حبّ بني فاطمة والجزع لهم مما هم عليه من الخوف والقتل والتطريد يبكي من في قلبه شيء من الإيمان.
  وحكى أبو الفرج في كتابه الصغير، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن سالم بن عبد الرحمن، قال: قال علي بن الأحمر: حدثني أبي، قال: كنتُ أجتمع أنا وعيسى بن زيد، والحسن وعلي ابنا صالح بن حي، وإسرائيل بن يونس بن إسحاق، وجناب بن بسطاس، في جماعة من الزيدية في دار بالكوفة، فسعى ساعٍ بأمرنا إلى المهدي ودلّه على الدار، وكتب إلى عامله بالكوفة يضع الأرصاد علينا، فمتى اجتمعنا كبسنا(١) وأخذنا ووجّه بنا إليه.
  فاجتمعنا ليلة في تلك الدار وبلغه خبرنا، فهجم علينا، ونَذِر(٢) القوم وكانوا في علوّ الدار فتفرقوا ونجوا جميعاً غيري، فأخذني وحملني إلى المهدي، فدخلت عليه، فلما رآني شتمني بالزاني، وقال لي: يا ابن الفاعلة أنت الذي تجمع مع عيسى بن زيد وتحثه على الخروج عليّ وتدعو إليه الناس؟ فقلت له: يا هذا أما
(١) أي هجم عليهم الدار واحتاط. انتهى أفاده القاموس.
(٢) نذر القوم بالعدو: علموا، وبابه طرب. انتهى مختار الصحاح.