[ذكر أيام المهدي العباسي ومن كان بإزائه من أهل البيت (ع)]
  تستحي ولا تتقي الله ولا تخافه، تشتم المحصنات وتقذفهنّ بالفاحشة وقد كان ينبغي لك ويلزمك في دينك وما وليته أن لو سمعتَ سفيهاً يقول مثل ذلك أن تقيم عليه الحد؛ فأعاد شتمي، ثم وثب إليّ وجعل يضربني بيده ويخبطني برجليه ويشتمني؛ فقلت: إنك لشجاع حين قويتَ على شيخ مثلي تضربه لا يقدر على المنع من نفسه ولا الانتصار لها. فأمر بحبسي والضيق عليّ، فقيّدتُ بقيد ثقيل وحُبست سنتين؛ فلما بلغه وفاة عيسى بن زيد بعث إليّ فدعاني فقال: من أي الناس أنت؟ قلت من المسلمين. قال: أعربي أنت؟ قلت: لا. قال: فمن أي الناس؟ قلت: كان أبي عبداً لبعض أهل الكوفة فأعتقه فهو أبي.
  قال لي: إن عيسى بن زيد قد مات، فقلت: أعظم بها مصيبة ¦؛ فلقد كان عابداً ورعاً مجتهداً في طاعة الله غير خائف لومة لائم، ثم قال: أفما علمت بوفاته؟ قلت: بلى، قال: فلم لا تبشرني بوفاته؟ قلت: لم أحب أن أسرك بأمر لو عاش رسول الله ÷ فعرفه لساءه؛ فأطرق طويلاً، ثم قال: ما أرى في جسمك فضلاً للعقوبة، وأخاف أن أستعمل شيئاً منها فتموت، وقد كُفيتُ عدوّي، فانصرف في غير حفظ الله، ووالله لئن عدت لمثل ما فعلتَ لأضربنّ عنقك. قال: فانصرفت إلى الكوفة، فقال المهدي للربيع: أما ترى قلّة خوفه وشدة قلبه، هكذا والله تكون البصائر.
  أفهكذا تكون أئمة الهدى يا فقيه الخارقة؟! أفما علمت أنها خلافة نبوة يقفو الخليفة أثر المستخلِف؟! وإلا كان بعداوته أولى منه بخلافته؛ فتَثَبّت إن كنتَ من المتثبتين، ولتعلمنّ نبأه بعد حين.
  ثم إنا قد تركنا أشياء من أخبار هذا المهدي بزعم من سماه، تنزيهاً للألسن عن ذكرها، وتشريفاً عن حكايتها، وهي ظاهرة في كتب أهل العلم وأصحاب التاريخ، وفيما ذكرنا كفاية لمن كان له عقل رشيد، أو ألقى السمع وهو شهيد.