كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام الفقهاء في الأمان الذي كتبه هارون ليحيى (ع)]

صفحة 601 - الجزء 1

[كلام الفقهاء في الأمان الذي كتبه هارون ليحيى (ع)]

  ولما جمع هارون المسمى الرشيد القضاة والفقهاء وأمرهم بالنظر في كتاب أمان يحيى وهل إلى نقضه سبيل بحيلة من الحيل ووجه من الوجوه، كان فيهم محمد بن الحسن، فنظر فيه فلما أتقنه قام قائماً وقال: هذا أمان لا سبيل إلى نقضه، ولو أُلجئتُ أن أكتب مثله لما أحسنتُ، فمن نقضه فعليه لعنة الله؛ فحذفه هارون بدواة فشجّه شجّة خفيفة، وقال الحسن بن زياد: هو أمان بصوت ضعيف، وصحّحه الفقهاء كافة.

  فقال أبو البَخْتَري⁣(⁣١) - لعنه الله -: هذا منتقض تقرّباً منه إلى هارون الغوي، وإيثار الدنيا على الآخرة.

  فقال: أنت قاضي القضاة، وأنت أعلم بذلك، فإن كان منتقضاً فمزّقه، فقال لمسرور: مزّقه يا أبا هاشم، فقال: لا والله مزّقه أنت؛ فمزّقه ويده ترتعش.

[عودة إلى ذكر ما دار بين الإمام يحيى بن عبدالله (ع) والزبيري]

  وكان الزبيري حاضراً، فقال: شققت العصا يا يحيى وخالفتَ، وفرّقتَ جماعتنا، وأردتَ العظيم بخليفتنا.

  فقال يحيى: من أنتم - رحمكم الله -؟ إنما الناس نحن وهؤلاء وأنت عدو الجميع، فلما لم تقدر علينا طلبتَ التشفي من بعضنا ببعض.

  قال: فما تمالك هارون أن ضحك ضحكاً شديداً وقام يحيى إلى الحبس.

  وقد كان يحيى قال: ألستَ القائل:

  إن الحمامة يوم الشعب من دثن ... هاجت فؤاد محبّ دائم الحزن


(١) قال ¦ في التعليق: أبوالبختري: وهب بن وهب بن كبير بن عبدالله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، قاضي الرشيد هارون بن محمد المهدي. كان من المنحرفين عن علي، وهو الذي أفتى الرشيد ببطلان الأمان من الرشيد ليحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب $، وأخذه بيده، فمزقه، روى هذا ابن أبي الحديد في شرحه.