[دعوة الإمام إدريس بن عبدالله (ع)]
  وأذكركم الله في ملوك تجبّروا، وفي الأمانات خفروا، وعهود الله وميثاقه نقضوا، وولد نبيه قتلوا، وأذكركم الله في أرامل اختفرت، وحدود عُطّلت، وفي دماء بغير حق سُفكت، فقد نبذوا الكتاب والإسلام، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه.
  واعلموا عباد الله أن مما أوجب الله على أهل طاعته المجاهدة لأهل عداوته ومعصيته باليد واللسان؛ فباللسان الدعاء إلى الله بالموعظة الحسنة، والنصيحة والحضّ على طاعة الله، والتوبة عن الذنوب هي الإنابة والإقلاع والنزوع عما يكرهه الله سبحانه وتعالى، والتواصي بالحق والصدق، والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاصي الله كلها، والتعليم والتقديم لمن استجاب لله ورسوله حتى تنفذ بصائرهم، وتكمل وتجتمع كلمتهم، وتنتظم إلفتهم.
  وإذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعاً، وللظالمين مقاوماً، وعلى البغي والعدوان قاهراً، أظهروا دعوتهم، وندبوا العباد إلى طاعة ربهم، ودافعوا أهل الجور عن ارتكاب ما حرم الله عليهم، وحالوا بين أهل المعاصي وبين العمل بها؛ فإن في معصية الله تلفاً لمن ركبها، وهلاكاً لمن عمل بها.
  ولا يؤيسكم عن علوّ الحق وإظهاره قلّة أنصاره، فإن فيما بدأ به من وحدة النبي ÷ والأنبياء الراغبين إلى الله قبله وتكثيره إياهم بعد القلة، وإعزازهم بعد الذلّة دليل(١) بيِّن وبرهان واضح، قال الله ø: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}[آل عمران: ١٢٣]، وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠}[الحج]، فنصر الله نبيه وكثر جنده، وأظهر حزبه وأنجز وعده، جزاءً من الله سبحانه وثواباً لفضله وصبره، وإيثاره طاعة ربه، ورأفته بعباده ورحمته، وحسن قيامه بالعدل والقسط في بريته، ومجاهدة أعدائه، وزهده فيما
(١) هكذا في الأصل وهو على لغة ربيعة. انتهى من الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.