كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر أيام المأمون العباسي ومن كان بإزائه من أهل البيت (ع)]

صفحة 615 - الجزء 1

  جليسه دخله لذلك غضاضه، قال: فأمر المأمون أن يخلع عليه، قال علي: فدخلني من ذلك ما الله به أعلم، فلما خلع عليه ورفع إلى مجلسه، قال: يا أمير المؤمنين إذا كان خاطري معلّقاً بعيالي لم تنتفع بمحادثتي. قال: خمسون ألفاً تحمل لك إلى منزلك. قال: يا أمير المؤمنين وثالثة. قال: وما هي؟ قال: قد دعوت بشيء يحول بين المرء وعقله، فإن كانت مني هنة⁣(⁣١) فتغتفرها لي. قال: وذلك. قال علي: فكأنّ الثالثة جلّت عني ما كان، ثم سرد الحكاية بما يطول به الشرح.

  وإنما أردنا تبيين اشتغاله بالشرب وإعطاء هذا المال الجليل المضحكين وأهل الشرب والمعاصي، ولعل بإزاء دار خلافته من يتضوّر من الجوع فلا تساغ جوعته؛ لأنا روينا عن جدنا محمد بن إبراهيم # قبل قيامه بالكوفة أنه خرج ظاهر الكوفة فرأى عجوزاً تتبع الطريق وتلقط من الرطبة⁣(⁣٢) ما سقط وتلفه في كسائها، فقال: يا أمة الله ما تريدين بهذا؟ قالت: إني امرأة أرملة ولي بنات يتائم ولا شيء لنا من المعيشة إلا هذا ألفّه كل يوم فأرده إليهن فيقتتنه. قال: فبكى # بكاءً شديداً، وقال: أنتِ والله وأمثالك تخرجنني غداً فأقاتل حتى أُقتل.

  فهؤلاء أئمة الهدى بخلاف أئمة الردى.

  وروي أن المأمون ركب بدمشق يريد جبل الثلج فمرّ ببركة عظيمة من برك بني أمية وعلى جانبها أربع سروات⁣(⁣٣) وكان الماء يدخلها سحاً ويخرج منها، فاستحسن الموضع ودعا برطل وذكر بني أمية فوضع منهم وتنقّصهم فأقبل


(١) هنة تأنيث هن، وهو كناية عن كل اسم جنس. انتهى نهاية. والمراد هنا السقطات. تمت من الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.

(٢) الرطبة بالفتح: القضب خاصة ما دام رطباً، والجمع رطاب. انتهى مختار صحاح. والرطب من النخل ومن التمر معروف، وجمع أرطاب ورطاب، وجمع الرطبة رطبات. انتهى منه.

(٣) السروات جمع سراة وهي الظهر، ومن النهار ارتفاعه، ومن الطريق متنه. أفاده القاموس، وفي النهاية ومن الحديث: ليس للنساء سروات الطرق، أي لا يتوسطنها، ولكن يمشين في الجوانب، وسراة كل شيء ظهره وأعلاه.