كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر قصة إبراهيم بن شكله المتسمي بالمهدي]

صفحة 620 - الجزء 1

  الألوان فكان يا أمير المؤمنين طعمها أطيب من ريحها، فقلت في نفسي: هذا الطعام قد حصل، لكن بقي الكف والمعصم.

  ثم رفع الطعام وغسلنا أيدينا، ثم صرنا إلى مجلس المنادمة، فإذا هو أنبل مجلس وأحسن من الأول، وجعل صاحب المنزل يلطف بي ويقبل إليّ بالحديث والرجلان لا يشكان أن إقباله عليّ من معرفة قديمة، وإنما كان ذلك الفعل لهما لأنه ظن أني منهما بسبيل، حتى إذا شربنا أقداحاً خرجت علينا جارية كأنها غصن بان فأقبلت فسلمت خجلة ووضعت لها وسادة، فجلست عليها، ثم أتى بعود فوضع في حجرها، فجسّته فتيقنت الحذق في جسها، واندفعت تغني بهذا:

  توهمه طرفي فأصبح خدّه ... وفيه مكان اللحظ من نظري أثر

  وصافحه كفّي فآلم كفّه ... فمن لمس كفي في أنامله عقر

  ومَرّ بفكري خاطري فجرحته ... ولم أر شيئاً قط يجرحه الفكر

  فلولا دفاع الغمض عنه بشم ما ... تهب به الأرواح لانتثر الخصر

  قال: فهيّجت والله يا أمير المؤمنين بلابلي، ثم اندفعت بهذا الصوت تغني:

  أشرت لها هل تعلمين مودتي ... فردت بطرف العين أني على العهد

  فجدت على الإظهار عمداً بسرّها ... وجادت على الإظهار أيضاً على عمد

  فصحت يا أمير المؤمنين: السلاح السلاح، وجاءني ما لا أملك معه الصبر، ثم اندفعت تغني بهذا:

  أليس عجيباً أن بيتاً يضمّني ... وإياك لا نخلو ولا نتكلم

  سوى أعين تخفي سرائر أنفس ... مراض ودمع بين ذلك يسجم

  إشارة أفواهٍ وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وقلب يسلم

  فحسدتها يا أمير المؤمنين على إجادة الغناء وإصابة معنى الشعر، فقلت: بقي