[رجع إلى خبر أبي السرايا ¦]
  تزأر فحمل سيار على صاحب العلم فقتله وسقط العلم وانهزمت المسودة، وتبعهم أبو السرايا وأصحابه ونادى: من نزل عن فرسه فهو آمن؛ فجعلوا يترجلون، وأصحاب أبي السرايا يركبون ويتبعونهم، حتى جاوزوا شاهي.
  ثم التفت زهير إلى أبي السرايا، فقال: ويحك أتريد هزيمة أكثر من هذه أين تبتغي، فرجع وتركه وغنم أهل الكوفة غنيمة لم يغنم أحد مثلها وصاروا إلى عسكر زهير ومطابخه قد أعدت وكان قد حلف أن لا يتغدى إلا في مسجد الكوفة؛ فجعلوا يأكلون ذلك الطعام وينتهبون الأسلحة والآلة وكان قد أصابهم جوع شديد وجهد فمضى زهير لوجهه حتى دخل بغداد مستتراً، وبلغ خبره الحسن بن سهل فأمر بإحضاره فلما رآه رماه بعود حديد كان في يده فشتر(١) إحدى عينيه، وقال لبعض من كان بحضرته: أخرجه فاضرب عنقه، فلم يزل يُكَلّم فيه حتى عفا عنه.
  ودخل أبو السرايا الكوفة ومعه خلق من الأسارى ورؤوس كثيرة على الرماح مرفوعة وفي صدور الخيل مشدودة، ومن معه من أهل الكوفة قد ركبوا الخيل ولبسوا السلاح فهم على حالة واسعة، وأنفسهم بما رزقوا من النصر قوية.
  واشتد غم الحسن بن سهل ومن بحضرته من العباسيين بما جرى على عسكر زهير وطال اهتمامهم فدعا الحسن بعبدوس بن عبد الصمد، وضم إليه ثلاثة آلاف فارس وثلاثة آلاف راجل وأزاح علته في الإعطاء وقال: إنما أريد أن أنوه باسمك وأرفع منزلتك فانظر كيف تكون، وأوصاه بما احتاج إليه وأمره أن لا يلبث فخرج من بين يديه وهو يحلف أنه يفتح الكوفة ويقتل مقاتلة أهلها ويسبي ذراريهم ثلاثاً، ومضى لوجهه حتى صار إلى الجامع.
  وقد كان الحسن بن سهل تقدم إليه بذلك وأمره أن لا يأخذ على الطريق
(١) الشتر: القطع فعله كضرب وبالتحريك الانقطاع وانقلاب الجفن من أعلى وأسفل وانشقاقه. انتهى من القاموس.