[رجع إلى خبر أبي السرايا ¦]
  الذي انهزم زهير فيه لئلا يرى أصحابه بقايا قتلى عسكره فيجبنوا من ذلك؛ فأخذ على طريق الجامع.
  فلما وافاه وبلغ أبا السرايا خبره صلى الظهر بالكوفة، ثم جرد فرسان أصحابه ومن يثق به منهم وأخذ يسير بهم حتى إذا قرب من الجامع فرق أصحابه ثلاث فرق، وقال: يكون شعاركم يا فاطمي يا منصور، وأخذ هو في جانب وأخذ سيار في يسرة الجامع، وقال لأبي الهرماس: خذ بأصحابك على القرية فلا يفتك أحد منهم، ثم احملوا دفعة واحدة من جوانب عسكر عبدوس ففعلوا ذلك وأوقعوا به وقتلوا فيه مقتلة عظيمة وجعل الجند يتهافتون في الفرات طلب النجاة حتى غرق منهم خلق كثير.
  ولقي أبو السرايا عبدوساً في رحبة الجامع فكشف خوذته(١) عن رأسه وقال: أنا أبو السرايا، أنا أسد بني شيبان، ثم حمل عليه وولى عبدوس من بين يديه وتبعه أبو السرايا فضربه على رأسه ضربة فلق هامته وخر صريعاً عن فرسه وانتهب الناس من أصحاب أبي السرايا وأهل الجامع عسكر عبدوس وأصابوا منه غنيمة عظيمة، وانصرفوا إلى الكوفة بقوة وأسلحة.
  وكان محمد بن إبراهيم # قد باشر القتال في ست وقعات فيما يقرب من الكوفة وكان لا ينثني فأصابه طعن ونبل وقيل تعمد بسلاح مسموم فاعتل، وكان أبو السرايا بعد علته المتولي لتدبير حروبه، وكان # ينهى عن القتال حتى يُقدم الدعوة ويعذر وينذر، فلما بيَّت أبو السرايا عبدوساً بالجامع وقتله وقتل أصحابه دخل إلى محمد يهنيه بالفتح قال: كيف صنعت؟ فأعلمه، فرفع يديه وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعله أبو السرايا، ألم تعلم أني لا أقاتلهم حتى أدعوهم إلى الله فإن قبلوا فإخواننا وإلا استعنا بالله عليهم، ألم تعلم أن فيهم
(١) الخوذة بالضم: المغفر، والمغفر كمنبر وبهاء وككتابة: زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع بها المتسلح. انتهى من القاموس.