[الإمام المهدي لدين الله محمد بن الإمام الداعي الحسن بن القاسم (ع)]
  وكان العلماء يتبادرون إليه لأغراض منها التعزز بجانبه، ومنها طلب الجلالة لأن ينسب ذلك العالم إلى أنه مدرسه فيعظم حاله بذلك، ومنها: أنه كان يحصل في حال مراجعته ومذاكرته من الفوائد ببركته ما كان لا يحصل لولا حضور مجلسه.
  فلما تقدم في كل فن من فنون العلم تقدماً عظيماً، وبلغ إلى غاية لم يبلغها غيره، وكان كثير البكاء من خشية الله تعالى، غزير الدمعة عند ذكر الله، مقرباً للصالحين وأهل الخير، شديداً على الفساق وأهل الفساد، سليم الصدر.
  ولما كان كذلك مقيماً ببغداد على الجملة التي قدمنا ذكرها، وانتشر صيته في الآفاق كاتبه أهل الخير والصلاح والدين من أعيان الديلم بأنهم يبايعونه ويقومون بنصرته على إحياء دين الله تعالى إن مكنهم من نفسه، ثم أوفدوا إليه في ذلك وفداً من الثقات كاتمين أنفسهم ولزموه ولحوا عليه غاية اللحاح.
  وخاطبه وراسله أبو الفوارس مايادر بن جستان ملك الديلم بأنه يبايعه ويبذل في نصرته المجهود بماله ورجاله؛ فتعين عليه الفرض، فخرج من بغداد مستتراً لا يقف أحد على خروجه إلا خواص أهل العلم والفضل، فقد كان لا يكتم عنهم شيئاً من أمره ودعائه إلى ربه، فقد كانت البيعة عقدت له في بغداد على الأفاضل والرؤساء سراً.
  وكان معز الدولة غائباً عن بغداد إلى الموصل لحرب بني حمدان، وقد كان اجتمع للعلوية مال عظيم من أوقافهم أراد تفريقه فيهم وكان مودعاً في درب تحوب، ولم يقف عليه أحد فحين خرج من بغداد كتب رقعة على يد صاحب مرقعة وذكر فيها مبلغ المال والموضع الذي هو مودع فيه وأن سبيله أن يفرق فيهم وأمر حامل الرقعة بتسليمها إلى بعض الثقات، وأن يتصرف قبل أن يوقف على خبره.
  ففعل ذلك، وأخذ ذلك المال العظيم ففرق على أهله، والناس يبكون أسفاً على ما فاتهم من نفعه وبركته، ويقولون: كيف يكون حال قوم فارقهم مثله في صلاحه وفضله؟