[ذكر شيء من ورع واحتياط وشجاعة الإمام المؤيد بالله (ع)]
  فإنه مؤسر، فطلب منه فكره فلم يكرهه والشرع يجيز له ذلك وفارق هوسم.
  وكان يجالس الفقراء وأهل المسكنة، ويكاثر أهل الستر والعفة ويميل إليهم فكان يلبس الوسط من الثياب قصيرة الكمين وإلى نصف الساقين، وكان يلبس الثوب إلى أن يحتاج إلى رقعة فيرقعه بيده، وكان يلبس قلنسوة من صوف أحمر محشوة بقطن، وكان يلبس جورباً من خرق، وكان يردّ الهدايا والوصايا إلى بيت المال.
  وكان لا يتقوت ولا يطعم عياله إلا من خاصة ماله والشرع متقرر على أن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته من بيت المال، وقد كان أبو بكر وعمر بلغا الغاية في الزهد فكان متاعهم من بيت المال.
  وقد كان غزير الدمعة يتلو القرآن بصوت شجي حزين، وكان دائم الفكرة في صلاح الأمة يتأوه كثيراً ويتوجع لضلالهم وجهلهم بطريق مصالحهم.
  وحكى عنه القاضي يوسف، فقال: صحبته ست عشرة سنة فلم أره مستغرباً ضاحكاً، وكان شديداً على أهل الفسق والمعاصي مستقصياً عليهم في استيفاء الحقوق، ويأمر عماله بذلك ويقول: لا تأخذوا من أهل الدين والصلاح إلا ما أعطوكم فإنهم لا يخلون بالأداء.
  وكان كثير العبادة ويصلي بين العشائين بالنوافل، وكان يعدُّ في شهر رمضان طعاماً كثيراً دائماً للمسلمين، وكان يحفظ بيت المال بنفسه في أكثر أوقاته، وكان يفرق أرزاق الأجناد بيده ويوقع في الخطوط بيده.
  وكان متواضعاً على قوة سلطانه يحمل المحقرات على يده ويمنع من أن يتولى ذلك غيره، ويتعمد المشي في السوق كسراً لنفسه.
  وأراد شراء بعض سمكة من سمَّاك، فقال: لا أقطعه اليوم، فلما جاء الخادم أعلمه فأراد اختبار حال عدله في الرعية فقال: اذهب إليه فقل: سيدي يأمرك بقطعه حتماً، فقال له، فقال: لا أفعل، فرجع إليه فحمد الله كثيراً، وقال: الآن علمت العدل؛ لأن ضعفاء الرعية لا تخاف سطوتي وأمسك عنه.
  ولم يكن له غرض سوى ذلك، هل الرعية تخشاه كما تخشى السلاطين أو هو