[ذكر ليلى بن النعمان الديلمي |]
  عن الحصار ضرورة ورتب مصافه وتقدم بنفسه؛ فلم يزل يحمل عليهم ويلحلح ويؤثر ويعود إلى أصحابه عدة دفعات إلى أن حمل فلم يخرج وظفر به فقتل وأصحابه ثابتون والحرب قائمة على ساق.
  فلما رآهم الخراسانية على هذه السبيل رفعوا رأسه وأظهروه وقالوا لهم: عمن تقاتلون وهذا رأس صاحبكم فالتمسوا حينئذ الأمان فأومنوا، وحملوا الرأس إلى خراسان ثم أنفذ إلى بغداد سنة تسع وستين وخمسمائة.
  فلشاعر من شعراء خراسان يقال له: محمد بن أحمد الوراق من قصيدة يرثيه بها وجدناها في شعره فأضفناها إلى خبر ليلى وهي:
  ألا خل عينيك اللجوجين تدمعا ... لمؤلم خطب قد ألم فأوجعا
  فليس عجيباً أن يدوم بكاهما ... وأن يمتري دمعيهما الوجد أجمعا
  ولا يغشين جفنيهما طارق الكرى ... وهيهات أن يهدى الغريق ويهجعا
  وأنَّى يلذ العيش من كان هائماً ... وكيف ينام الليل من كان موجعا
  ألم تر وجه الأرض أصبح أغبرا ... سخيناً ووجه الشمس أكدر أسفعا(١)
  لآت أتانا من خراسان مخبراً ... بأن المنايا غلن ليلى فوُدِّعا
  وأن القنا والبيض غادرن مصقعا ... أبا جعفر في الحرب شلواً موزعا(٢)
  فغشى كسوفاً غرة الشمس رزؤه ... وكادت نجوم الأرض أن تتزعزعا
  وكدنا نذوق الموت وجداً لفقده ... وهمت له أكبادنا أن تصدعا
  ولما نعاه الناعيان تبادرت ... عليه عيون الطالبيين همعا
(١) أسفعا: أي أسود. تمت شيخ.
(٢) مصقعاً: مصقع كمنبر: البليغ أو العالي الصوت، أو من لا يرتج عليه في كلامه. انتهى من القاموس. إملاء شيخ.